للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد أن اختلط العرب بالأعاجم بدأ اللحن يظهر على ألسنتهم؛ فكانت ردة الفعل الطبيعية من جانب العلماء استهجان هذه الحال والتنادي لوضع حد لها، من هنا نشأت حركة تصحيح لغوية كبيرة تنبه على الأخطار وتشير إلى وجه الصواب، وأثمرت عددًا كبيرًا من الكتب التي عرفت باسم «كتب اللحن»، وقد أشرنا إلى بعضها فيما سبق.

من أسباب ظهور اللحن:

اختلاط الفصحى بغيرها من اللغات.

إقدام الكثير من الرواة على وضع الشعر واختلاقه؛ لإثبات قاعدة نحوية أو صرفية، أو لنصرة مذهبٍ سياسي أو كلامي أو لغوي.

وقوعه من ذوي الشأن كالخلفاء والوزراء والعلماء، والتماسهم من ينقذهم من وهدته.

تنازع النحاة في المسألة الواحدة. ومن شأن ذلك أن يشجع اللاحنين على ما هم فيه ما داموا يجدون من يلتمس الشاهد أيًّا كان ويصوِّب الفاسد ويقوِّي الضعيف.

اغتفار اللحن في مواقف خاصة.

الاضطراب الاجتماعي والسياسي. (١)

يستند المخطئون إلى معايير معينة يمكن تلخيصها فيما يلي:

عدم السماع: أي عدم ورود اللفظة عند العرب الفصحاء في عصر الاحتجاج. ولهذا المعيار عيبان أساسيان: (١) فهو يقصر في كثير من الأحيان أمام حاجة العصر للألفاظ الجديدة، وقد أحسن مجمع اللغة العربية المصري صنعًا عندما حرر السماع من قيود الزمان والمكان، ليشمل ما يُسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين وغيرهم من أصحاب الحرف والصناعات، وأجاز الاعتداد بالألفاظ المولدة وتسويتها بالألفاظ المأثورة عن القدماء. (٢) (٢) وهو يقتضي من يتخذه أن يكون مطَّلعًا على كل ما ورد عن العرب، وهذا شبه مستحيل، وفيه كثير من المجازفة.


(١) المؤلفات القديمة في اللحن تفوق الحصر، نذكر منها على سبيل المثال: البهاء فيما تلحن فيه العامة للفراء، ما يلحن فيه العامة للأصمعي، ما يلحن فيه العامة لأبي نصر الباهلي، إصلاح المنطق لابن السكيت، لحن العامة لأبي علي الدينوري، تقويم اللسان لابن دريد، تقويم الألسنة للديمرتي، ليس في كلام العرب لابن خالويه، لحن العوام للزبيدي، ما تلحن فيه الخاصة لأبي هلال العسكري، درة الغواص في أوهام الخواص لأبي محمد القاسم بن علي، تهذيب الخواص من درة الغواص لابن منظور، غلطات العوام المنسوب للسيوطي.
(٢) و «اللحن» أيضًا «اللغة»! فهو من الأضداد: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «تعلموا الفرائض والسنة واللحن كما تتعلمون القرآن.»

<<  <   >  >>