للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«إن التطور اللغوي (الصوتي والصرفي والنحوي والمعجمي والدلالي) ليستتبع تغييرًا في المستوى الصوابي من الناحية التاريخية كذلك، فما كان صوابًا في الماضي يصبح خطأً في الوقت الحاضر، ويصبح خطأُ اليوم صوابَ الغد إذا رأى المجتمع اللغوي أن يتبناه في الاستعمال.» (١)

«وليس من حق الباحث في اللغة أن يفترض فيها التوقف عند فترة معينة أو جيل خاص أو عدة أجيال، فيجمد الدراسة ويترك عمله الحقيقي في ملاحظة اللغة الدائبة التغير، وينصرف إلى تفريعاتٍ ومماحكات وعَنتٍ ذهني عقيم لا حاجة باللغة إليه، ثم يفرض ما لاحظه عن اللغة في فترة من فتراتها على فترة أخرى أدَّى إليها تطورها، وهذا عكسٌ لمهمة الدارس من الوصف إلى التحكم، ومن الملاحظة إلى المصادرة.» (٢)

«ولو أن الاستشهاد لم يقف عند حد على يد النحاة العرب لأمكن أن تجري دراسة اللغة على مراحل وعصور باستقراء ما يجدُّ من النصوص إلى أيامنا هذه، ولاعتبر كل ميل غير فردي إلى مخالفة القواعد السابقة تطورًا في الاستعمال اللغوي يتطلب تطورًا في النظرة إلى هذه القواعد في ظل منهجٍ وصفي لدراسة اللغة، ولكن إيقاف الاستشهاد عند حد معين جعل النحاة وقد جفَّت روافد الاستقراء عندهم يلجئون إلى ما لديهم من القواعد، فيجعلونها مادة الدراسة بدل النصوص التي أعوزهم الجديد منها، وما دامت القواعد نفسها هي الهدف وهي مادة الدراسة فلا مهرب إذن من النظرة إلى هذه القواعد باعتبارها مقاييس ومعايير من صلب المنهج؛ لبيان الصحيح والخطأ من التراكيب، أي أن المستوى الصوابي بدل أن يكون فكرةً اجتماعية يراعيها المتكلم، أصبح فكرةً دراسية يراعيها الباحث، وبهذا توقف العمل بالمنهج الوصفي في دراسة اللغة، وأصبح لزامًا علينا الآن أن ننظر إلى الدراسات اللغوية العربية باعتبارها دراسة تصف مرحلة معينة من تطور الفصحى، ولكن هذه المرحلة تشتمل في الحقيقة على مراحل، وقد كان مؤرخو الأدب أسرع إلى الاعتراف بعصور اللغة من النحاة، وكان أولى بالنحاة أن يعترفوا بهذه المراحل ويدرسوا كل واحدة منها دراسة وصفية على حدة كما فعل أصحاب تاريخ


(١) المرجع نفسه، ص ١٢.
(٢) المرجع نفسه، ص ٣١.

<<  <   >  >>