للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مما مكنها من تقديم كل شيءٍ منافس للغربيين بلغتهم اليابانية، وقد تطلَّب منهم ذلك ترجمة المفيد إلى اللغة الوطنية فحولوا التراث الغربي بذلك إلى تراث وطني.» (١)

ومن نكد الدنيا على الحر أن يعظه خصمُه، ويهديه عدوُّه سُبلَ الرشاد: فها هي اللغة العبرية تكشف إصداراتها من الكتب عن اعتزاز باللغة الوطنية: فمن بين ١١٤٧ عنوانًا طبعت عام ٨٦ - ٨٧ ظهر ٨٤? منها ابتداءً بالعبرية، و ١٦? ترجمة إلى العبرية، دون إصدار شيء بلغةٍ أخرى. (٢) «لم تحقق اللغة العبرية ما حققته من مكانة عن طريق القسر أو الضغط أو الإكراه من أفراد أو مؤسسات، وإنما قامت من مرقدها، ودبَّت فيها الحياة في الأعوام الأخيرة لتكون اللغة الوطنية لإسرائيل نتيجةً لتنامي الشعور الوطني، والإرادة الجماعية لليهود سواءٌ المتكلمون منهم باللغة العبرية أو المتكلمون بغيرها من المهاجرين الجدد، والاعتزاز بالذات من أفراد المجتمع الذي يستخدمها. وما يلفت النظر في التجربة اليهودية السرعةُ المذهلة في تنفيذها، وفاعليتها وشمولها بدرجة جعلت هذه اللغة شبه الميتة - في وقت قصير لا يزيد على مائة سنة - هي لغة الحياة، ووسيلة الاتصال داخل الدولة الحديثة، ووافية بالمراد لكل الأفراد من كل الجنسيات، ولجميع الأغراض، سواء كانت اجتماعية أو تقنية في مجتمع متقدم. وقد تم إحياء اللغة العبرية من خلال إرادة جماعة المتكلمين بها، وليس من خلال القرارات المجمعية (أنشئت أكاديمية اللغة العبرية في إسرائيل عام ١٩٥٣)، أو المراسيم الحكومية، أو سياسة الأمر الواقع. وحين كانت اللغة العبرية تصادف بعض المقاومة، كان الانتصار لها يأتي من الأفراد، ومن ضغط الرأي العام الذي يتحيز للغة العبرية، ويعتبرها جزءًا أساسيًّا من كيانه ووجوده، وقد حدث هذا عند إنشاء «معهد التكنولوجيا» في حيفا، فقد ثار جدلٌ حول استخدام اللغة الألمانية في البحث والتدريس فيه، ولكن انتصرت اللغة العبرية لا بتشريع، ولا بقوة قانون، ولكن بقوة الضغط الجماهيري، وبخاصة ضغط «اتحاد المعلمين»(٣)


(١) أندريه جيد: أوديب، ثيسيوس، ترجمة طه حسن، دار العلم للملايين، بيروت، ط ٢، ١٩٦٨، ص ١٦٢ - ١٦٣.
(٢) التنفج: التعاظم والتكلف وفخر المرء بما ليس عنده وليس فيه.
(٣) د. أحمد مختار عمر: أزمة اللغة العربية المعاصرة والحاجة إلى حلول غير تقليدية، قضايا فكرية، الكتاب ١٧ و ١٨، القاهرة، ١٩٩٧، ص ٧٦.

<<  <   >  >>