للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخلص د. يحيى الرخاوي في مقاله «اللغة العربية وتشكيل الوعي القومي» إلى أن «لسان كل أمة هو تاريخها الحيوي المتراكم في عمق وجودها الآني، ولغتها بالتالي هي منطلق معارفها في مجال ما هو ظاهرة بشرية معرفية/ وجدانية. إن اللغة الأصل (اللغة العربية هنا) في حركيتها الموحية، لا تميز لساننا فحسب، بل تسهم بفاعلية أولية في تحديد طريقة تواجدنا في الحياة، وطريقة منهجنا للمعرفة، وطريقة تشكيلنا للوعي. إن اللغة الأصل هي المسئولة، من واقع صحتها وحركيتها، عن الإسهام الحقيقي في إبداعٍ متميز لأي مجموعة من البشر. إن اللغة العربية، بإيحاءاتها المنهجية يمكن أن تحتل مركزها المحوري في أي محاولة للتعرف على حركية نمونا وإمكانية بعثنا، وبالتالي تصبح البدايات منها (لا مجرد الترجمة إليها) هي أكبر إلزام مفروض على ضمائرنا ومحرك لفعل معرفتنا، وعلينا أن نتوقع إذا أحسنَّا استلهامها أن تقف في مواجهة اللغات الأخرى والمناهج الأخرى، في حوارٍ حضاري يعود على الجميع بالتكامل المحتمل بل الحتمي.» (١)

في كتابه «الشعرية العربية» يقول أدونيس: «والمشكلة هنا هي أن هذه اللغة التي ينظر إليها بوصفها جوهر الكائن العربي، تبدو في الممارسة العملية ركامًا من الألفاظ: هذا لا يتقنها، وذاك يهجرها إلى لغةٍ أخرى عامية أو أجنبية، وذلك لا يعرف أن يستخدمها إبداعيًّا، فكأنها «مستودعٌ» ضخم، ينفر منه بشكلٍ أو آخر، بحجةٍ أو أخرى، كلُّ من يدخل إليه ويغترف حاجته منه، فهناك مسافةٌ بينها وبين من ينطق بها. وهذا يعني أن ما كان غايةً يبدو الآن مجرد وسيلة، وكيف يمكن التوفيق بين ماضٍ يجعل من اللغة جوهر الإنسان، وحاضرٍ لا يرى فيها إلا أداة، ولا يتردد في الدعوة إلى تغيير بنائها، وإحلال العاميات محلها؟ وإذا تذكرنا صلتها في الوعي العربي الأصلي بالمقدس، وتحديدًا بالقرآن - أفلا نرى أن في جهلها أو الدعوة إلى تغيير بنائها وإحلال العاميات محلها، نوعًا من القول بوعيٍ آخر وهويةٍ مغايرة؟» (٢)


(١) المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(٢) المصدر نفسه، ص ٦٥ - ٦٦.

<<  <   >  >>