للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العربي الأصيل، ولا تحدثه نفسه أن يبتكر في القديم، أو يجدد في الشيء الأصلي، (١) فكان أن قُضي على المرونة باعتبارها مستنكرة، وأغلق باب الاجتهاد في اللغة باعتباره بدعة.» (٢)

يشير ابن منظور في مقدمة معجمه «لسان العرب» إلى شيوع الخطأ على الألسنة في عصره (القرن السابع الهجري)، وتراجع مكانة العربية، واتجاه الناس إلى النطق باللغات الأجنبية، وما أشبه الليلة بالبارحة! فيقول: «فإنني لم أقصد بتأليفه سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها؛ وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنًا مردودًا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودًا، وتنافس الناس في تصانيف الترجمات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير العربية. فجمعتُ هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعتُه كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون.»

في مؤتمر المجمع اللغوي المنعقد في أبريل ١٩٩٤ يستعرض الدكتور أحمد شفيق الخطيب، عضو المجمع المراسل من فلسطين، جذور عقدة النقص، ويؤكد أن اللغة العربية لا تفتقر إلى خصائص اللغة العلمية ولا مقوماتها، وأن الذين يتهمون العربية بالعجز عن مجاراة التطورات الحضارية العلمية إنما يعترفون بعجزهم هم، وبعجزنا نحن أو غالبيتنا في دنيا العرب. «أيام صدقت النية وشمخت المعنويات، عامرة بالثقة والإيمان، لم يجبن السلف أمام تيارات الحضارة اليونانية والفارسية والهندية، فأخذوا وأعطوا وعربوا وترجموا وألَّفوا وأبدعوا، وانطاعت لهم العربية فكان لهم جامعاتهم في بغداد وفاس وقرطبة والقاهرة ودمشق وتونس. ثم دارت على العرب والعربية الدوائر؛ فركد العلم وخمد البحث العلمي في دنيانا طوال عصر الانحطاط المديد فركدت اللغة العربية وخمدت. العجز الذي يعزونه إلى اللغة العربية إذن ليس في العربية بل في أهلها اليوم، في بيئة الجمود الاتكالية الغيبية والكسل العقلي والانهزامية والقصور؛ التي سادت نتيجة لسياسات القهر والتجهيل طوال عهود الظلمة والانحطاط، قبيل السيطرة العثمانية وخلالها، ثم استمرت بعدها، بدرجات وأشكال متباينة متفاوتة في مختلف أرجاء الوطن العربي، بفضل المخططات الغربية الخبيثة السلسة الاندساس حينًا


(١) يقال هو يرتضخ لكْنةً أعجمية: لم يخلُ من شيء منها، أو يخلط الكلام العربي بغيره (الوسيط، ص ٣٥٠).
(٢) د. يحيى الرخاوي: اللغة العربية وتشكيل الوعي القومي، قضايا فكرية، العدد ١٧ - ١٨، ١٩٩٧، ص ٢٩.

<<  <   >  >>