والشرسة أحيانًا، ولم تنج حركة تعريب العلوم وتعريب التعليم إجمالًا، منذ فواتحها، من بعض هذه المخططات.» (١)
ويمضي د. الخطيب في تتبع المسار التاريخي للنهضة العربية الحديثة وموقفها من التعريب، فيقول: «مع بدايات عصر النهضة العربية الحديثة أوائل القرن الماضي انطلقت العربية تأخذ طريقها مجددًا إلى دنيا العلوم والحضارة الحديثة، وكان طبيعيًّا أن تتخذ مدارس محمد علي القاهرية منذ تأسيسها عام ١٨٢٥، في الطب والهندسة والزراعة والعسكريات، اللغة العربية وسيلة لها في تعليم المناهج على كل المستويات - مدعمة بمدرسة الألسن وجهود المبعوثين في مختلف فروع العلم. وكذلك كانت الحال في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية في بيروت لاحقًا) أواسط القرن الماضي أيضًا، حيث مؤلفات المستشرقين الأمريكان تغطي برامج الدراسة في علوم الطب والفيزياء والكيمياء والصيدلة والرياضيات والفلك وسواها بلغة عربية سليمة ومستوًى علمي جيد، ولم يكن يخطر ببال رواد النهضة الحديثة، عربًا أو أجانب من المخلصين، التدريس بغير العربية - تطبيقًا لمنطقٍ علمي براجماتي بسيط ما زال هو المنطق العلمي الصحيح اليوم كما سيكون غدًا.»
فماذا كانت استجابة العربية لمناخ العلم؟ انتعشت ونمت وأصدرت المعاجم التراثية وجدد بعضها، وأصدرت معاجم علمية مترجمة، وقد كان يرجى للغة العربية في هذا العهد أن تبلغ درجات الرقي لو أتيح لها أن تكون وتستمر لسان حال النهضة العلمية العصرية، ولكن سياسات الغرب الاستعمارية حالت دون ذلك، فما إن ثبت الاجتياح البريطاني أقدامه في مصر حتى عرقل هذه المسيرة - أولًا بتحويل التدريس في مدرسة الطب إلى اللغة الإنجليزية عام ١٨٨٧، ثم إغلاق مدرسة الألسن ونفي رفاعة الطهطاوي ومؤيديه إلى السودان، وتوجيه البعثات إلى إنجلترا (بدل فرنسا وإيطاليا)، «وما هو إلا عام أو بعضه حتى حذا الأمريكيون في الكلية السورية الإنجيلية حذو البريطانيين، فتحول التدريس فيها، للأسف، من العربية إلى الإنجليزية بدءًا من ١٨٩٠ (بعد حوالي ربع قرن من تدريس الطب والصيدلة والعلوم الطبيعية الأخرى فيها بالعربية بمستوًى
(١) مثلما أن العربي إذا «استغرب» كان قصارى همه أن يقلِّد الغربي ولا تحدثه نفسه بأي إبداع أو ابتكار أو تجديد!