للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

راقٍ مرموق)، وهكذا حُرِمت اللغة العربية من فرصتها الذهبية وغُرست بذور الشك والريبة في نفوس أبناء العربية بلُغتهم - بأهم مقومات أصالتهم وحضارتهم.»

ويوجز الأستاذ حسين أحمد أمين القصة بقوله: « … أُغلِق باب الاجتهاد في العصر العباسي الثاني، ثم توالت المحن بتدهور حال الأمة، وحال الثقافة عند أبنائها، ثم بالغزو العسكري فالغزو الفكري الأجنبيين، مما تسبب في انحسار ثقة العرب - خاصة من الشباب - بأنفسهم، وبتراثهم ولغتهم ونظمهم، فضعفت حصيلة الشباب من اللغة العربية، وكذا قدرتهم على التعبير بها عما يدور بنفوسهم من مشاعر، وبأذهانهم من أفكار. وقد حرمهم فساد منهج تعليم اللغة العربية في مدارسنا من القدرة على النظر في كتب التراث العربي القديم لعجزهم عن فهم لغتها، فإن نظروا فيها كان ذلك من قبيل الرغبة في التندر على سخافة نظرة الأسلاف، خاصة من جانب المُتفرنجين المبالغين في النظرة إلى الغربيين وكأنهم أنصاف آلهة، والمبالغين في التحقير من شأن تراث أمتهم الذي حسبوه المسئول عن التخلف الذي صرنا إليه. وبانقطاع صلتهم بتراثهم وماضيهم، تلاشت القدرة على الاستعانة بالجانب الحي الإيجابي من التراث في مواجهة تحديات المستقبل.» (١)

ونعود للدكتور أحمد شفيق الخطيب في بحثه العميق الشائق أمام مؤتمر المجمع، الذي يمزج بين رصانة المادة وحرارة العاطفة، يقول سيادته: «إن العقبات التي كان يقال باعتراضها سبيل التعليم باللغة العربية ممكن التغلب عليها، فقد تيسر ذلك للأتراك مع أن لغتهم أحدث عهدًا بالعلوم من اللغة العربية ودونها في غزارة المادة، أليس مؤسفًا ومذلًّا أن الأكثر من عشرين بلدًا من بلاد العرب، مفردة ومجتمعة، تتعاجز عن تجاوز صعوبات موهومة في معظمها، في حين نجح في تجاوزها قرابة المائتي بلدٍ في عالمنا اليوم، عدد سكان الكثير منها لا يتجاوز بضعة ملايين؟ قالوا هكذا عن تعليم العلوم بالعربية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم طُبِّق تعريب هذه المواد في مختلف هذه المراحل ولم ينخفض مستوى تعليم العلوم بسبب ذلك (٢) … كذلك ثبت بطلان هذه


(١) أ. حسين أحمد أمين: الكعكة في يد اليتيم، الأهرام، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٣.
(٢) د. أحمد شفيق الخطيب: تعريب العلوم - القضية، بحث ألقي في الجلسة الثانية عشرة لمؤتمر المجمع المنعقدة يوم الأحد ١٠ أبريل ١٩٩٤.

<<  <   >  >>