للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغة العربية، ووفقًا للأبجدية القديمة. اللغة العربية لغة وعي، ولغة شهادة، وينبغي إنقاذها سليمة بأي ثمن، للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية، واللغة العربية بوجهٍ خاص هي شهادة دولية يرجع تاريخها إلى ثلاثة عشر قرنًا.» (١)

ويقول المستشرق الفرنسي هنري لوسل في مقال له بعنوان «اللغة العربية والحضارة العربية الإسلامية تزودان الدارس لهما بنظرةٍ جديدةٍ إلى العالم»: « … يجد الطالب في العربية معاني لغوية تختلف اختلافًا كبيرًا عن معاني الفرنسية أو اللاتينية أو أي لغة أوروبية … ويستوقف نظره في الوقت نفسه سير الكتابة العربية من اليمين إلى الشمال، ولكن هذا السير يبدو مطابقًا لحركة فزيولوجية أكثر اتفاقًا مع الطبيعة. ثم إذا به يكتشف كلمات ذات أصول ملحَّنة واضحة ونسقًا صرفيًا مبتكرًا داخل الكلمة يستبعد كل إضافة خارجية من المقاطع لأوائل الكلمات أو أواخرها، ويتيح ثروة من الاشتقاق من الأصل الواحد، وتقدم العربية أيضًا نسقًا من قواعد الإعراب بسيطًا وفيه قدر كبير من المرونة، كما تقدم أساليب من تركيب الكلام تجمع بين البساطة والدقة، ونسقًا من الأفعال يتسم بالبساطة، ويحير الناظر أول الأمر ولكنه مع ذلك قد بلغ من التمام في منطقه ما بلغه النسق الفرنسي، ومع العربية ينفتح أمام نظر التلميذ عالم جديد يخالف العوالم التقليدية المأثورة. لقد ذهب التعليم الفرنسي إلى البلاد العربية، ولكنه عجز عن أن يفيد منها لنفسه نظرة جديدة عن الإنسان يعود بها إلى فرنسا. إن دراسة القرآن، ولو كانت دراسةً سطحية، تكشف للتلاميذ شيئًا فشيئًا تصورًا جديدًا للعالم.» (٢)

وللأستاذ الدكتور يحيى الرخاوي خواطر وتساؤلات طليعية جريئة بشأن العربية والمنهج العلمي الذي تضمره في داخلها، وعلينا نحن أن نستكشفه ونفيد منه، يتساءل د. الرخاوي: «هل يتغير المنهج العلمي بتغير اللغة أم أن المسألة هي مجرد تغيير ألفاظ؟» ولا يفوته أن يشير بسهمٍ إلى إجابة: « … ولعل اللغة العربية بثباتها كل هذه القرون هي التي حافظت على علاقتنا بالطبيعة، ولعلها توحي لنا مؤخرًا - إذ نحاول الإفاقة - أن


(١) لوي ماسينيون: «المؤلفات الصغرى» (بالفرنسية)، بيروت، دار المعارف، ١٩٦٣، م ٢ ص ٦٢٥، نقلًا عن كتاب د. عثمان أمين «فلسفة اللغة العربية»، ص ٨ - ٩.
(٢) هنري لوسل: مقال في جريدة «لوموند» الفرنسية، باريس، ٣ من ديسمبر سنة ١٩٦٤، نقلًا عن كتاب د. عثمان أمين «فلسفة اللغة العربية»، ص ٩ - ١٢.

<<  <   >  >>