للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للحياة هدفًا آخر، وأن الإنسان ليس إلهًا وأن المنهج القائم الغالب والمحتكر لما يسمى علمًا لا يفي بسبر غور الحقيقة كل الحقيقة، أو أغلبها، وأن لنا علاقة متصلة بالطبيعة غير الاقتحام والسيطرة والاستنزاف … إن الانطلاق من لغتنا العربية، تركيبًا له بنيته الخاصة، وليس ترجمة عاجزة عن الحركة المستقلة، لهو من العوامل الأساسية التي قد تتيح لنا الفرصة لاختبار منهج آخر أكثر قدرة على سبر غور الحقيقة والإلمام بأبعاد المعرفة، وليس هنا مجال لتفصيل أكثر، وإنما أكتفي بمجرد الإشارة إلى ما سبق أن أشرتُ إليه من أفول نجم هذا المنهج التجريبي المعتمد على الرصد السلوكي كأساس يكاد يحتكر ما يسمى موضوعية المعرفة؛ الأمر الذي يتواكب مع مناهج وطريقة تفكير تصبغ الطبيعة الحديثة والرياضة الحديثة، وتفتح الأفق إلى مناهج ومنطق أكثر قدرة وكلية وإحاطة وتداخلًا، وكلها مناهج أقرب إلى بنية اللغة العربية القادرة منها إلى التنظيم الخطِّي المنفصل بعضه عن بعض في لغات أخرى مسطحة بشكل أو بآخر. لو تبينَّا أننا نتميز عن غيرنا، ليس بالضرورة تفوقًا فقط، مجرد تميز، وأن هذا يسمح لنا بالحركة في مساحة أخرى، من منطلق آخر، وأن هذا وذاك يتيح لنا فرصة اقتحام مجاهل المعرفة بشكل آخر في مسار آخر، وأن كل هذا يعني أن لنا توجُّهًا آخر؛ لو حدث كل هذا فإنه يحتاج إلى أن نفعله من خلال بنيتنا العربية المتدينة الغائرة التي بعض صورها النطق بهذا اللسان العربي.

فالعقل العربي لا يستعيد استقلاله وحريته باستعادة النطق بلسانه، وإنما تتاح له الفرصة من خلال استعمال لغته - تركيبًا غائرًا - بما يتيح تجديدها، ثم هو يستعيد أو لا يستعيد - بحسب مسئوليته وإسهامه - دوره، فريادته على طريق المعرفة/ الحضارة/ التطور، فإذا فعل عادت لغته إلى الحياة ثم تطورت بدورها فأعطت وتحاورت، وإذا لم يفعل فهو الخاسر نفسه ولغته وعطاء غيره في آن، ولا يبقى له إلا أن يتبع ويطيع (ويسمع الكلام)(١)


(١) د. يحيى الرخاوي: مخاطر الترجمة بين تسطيح الوعي واختزال المعرفة، في «قضايا فكرية»، العدد ١٧ - ١٨، ١٩٩٧، ص ١٨٧ - ٢٠١.

<<  <   >  >>