للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر عاطفة وخيال وليس مجرد فكرة وخبر، يرمي الشعر إلى إيصال «تجربة»، لا مجرد «معرفة» عن التجربة.

يستخدم الشعر المجاز والصور، وينفر من التحديد والمباشرة، وينتحي إلى الإيحاءات وظلال المعاني (Connotation) ويشيح عن المعاني الحقيقية الإشارية المحددة (Denotation).

يميل الشعر إلى الإيجاز في اللفظ والإسهاب في المعنى! يريد أن يفجر أكبر «طاقة» من المعاني بأقل «كتلة» من الألفاظ.

الشعر يخلخل التراكيب، ويتعمد الإخلال بالترتيب المألوف للكلمات، والخلو قدر المستطاع من الأدوات والروابط وكل ما يطيل العبارة.

يقول أدونيس في «كلام البدايات»: « … فالحق أن اللغة الشعرية قيمةٌ لا وسيلة: إنها ما لم تقع المواضعة عليه؛ فهي ليست لغة المحكم بل لغة المتشابه، وهي جوهريًّا لغةٌ مجازية؛ وهي لذلك لغة التأويل من حيث إن للفظة في الشعر دلالات عديدة: فالشعر هو الخروج عن المواضعة … » (١)

لم تكن الفروق بين النثر والشعر خافيةً على علماء العرب، ومنهم من أفاض في الحديث عنها. يقول أبو حيان التوحيدي في فضل النثر: «سمعت أبا عابد الكرخي صالح بن علي يقول: النثر أصل الكلام، والنظم فرعه، والأصل أشرف من الفرع، والفرع أنقص من الأصل، لكن لكل واحد منهما زائنات وشائنات، فأما زائنات النثر فهي ظاهرة؛ لأن جميع الناس في أول كلامهم يقصدون النثر، وإنما يتعرضون للنظم في الثاني بداعيةٍ عارضة، وسببٍ باعث، وأمرٍ معين … قال: ومن شرفه أيضًا أن الوحدة فيه أظهر، وأثرها فيه أشهر، والتكلف منه أبعد، وهو إلى الصفاء أقرب … قال: وليس كذلك المنظوم؛ لأنه صناعي؛ ألا ترى أنه داخلٌ في حصار العروض وأسر الوزن وقيد التأليف، مع توقِّي الكسر، واحتمال أصناف الزِّحاف؛ لأنه لما هبطت درجته عن تلك الربوة العالية دخلته الآفة من كل ناحية … قال: ومن شرف النثر أيضًا أنه مبرَّأ من التكلف، منزَّه عن الضرورة، غني عن الاعتذار والافتقار، والتقديم والتأخير، والحذف والتكرير … إلخ، (٢) وقال عيسى الوزير: النثر


(١) أدونيس: كلام البدايات، دار الآداب، بيروت، ط ١، ١٩٨٩، ص ١٧.
(٢) يقول دانتي في «المأدبة» Il convito (بمعرض مقارنات أخرى) إن امتياز اللغة لا يُكشف بتمامه وهي محلاة بالإيقاع والقوافي، مثلما أن جمال المرأة لا يظهر عندما يطغى بهاء حليها وملابسها وينتزع الإعجاب أكثر من شخصها؛ ولذا فإن من يريد تقييم امرأة فإن عليه أن ينظر إليها وهي معطَّلة من أي زينة عرضية، فلا يبقى لها إلا جمالها الطبيعي.

<<  <   >  >>