للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مما هو متاح لدينا؛ فالناس، وبالتالي لغتهم الإنسانية، ترجع - عبر قرون قليلة - إلى أسلافهم من الأبطال والآلهة والإلهات في الأساطير المسلَّم بها، وقد اتجهت الجهود أساسًا إلى الإجابة عن السؤال: كيف أمكن لمجموعة من الكلمات الأولية المتوافقة صوتيًّا والتي منحتها أو علمتها الآلهة في البداية أن تتضاعف، لتنتج الأعداد الهائلة من كلمات معجم اليونانية أولًا ومعجم اللاتينية بعد ذلك، لتواجه متطلبات المدنية ذات الثقافة الرفيعة؟» (١)

يقول ابن فارس في كتاب «الصاحبي»: «اعلم أن لغة العرب توقيف، دليل ذلك قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: ٣١). كان ابن عباس يقول: علَّمه الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض، وسهل وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.» (٢)

استند القائلون بالتوقيف إلى ظاهر النص: فالأسماء كلها معلَّمة من عند الله بالنص، وكذا الأفعال والحروف؛ لأن الأفعال والحروف أيضًا أسماء، لأن الاسم ما كان علامة، والتمييز (بين الأسماء والأفعال والحروف) من تصرف النحاة لا من اللغة، ولأن التكلم بالأسماء وحدها متعذر. (٣)

واستندوا أيضًا إلى استحالة أن يجري اصطلاحٌ بدون لغة مسبقة يتواصل بها المصطلحون. يقول السيوطي في «المزهر»: «لو كانت اللغات اصطلاحيةً لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة، ويعود إليه الكلام، ويلزم إما الدور أو التسلسل في الأوضاع، وهو محال، فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.» (٤) (المزهر ١: ١٨).


(١) ر. هـ. روبنز: موجز تاريخ علم اللغة، ترجمة: د. أحمد عوض، عالم المعرفة، الكويت، العدد ٢٢٧، نوفمبر ١٩٩٧، ص ٥٣.
(٢) الصاحبي في فقه اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة الحلبي، القاهرة، بدون تاريخ، ص ٥.
(٣) د. لطفي عبد البديع: عبقرية العربية، النادي الأدبي الثقافي، جدة، ط ٢، ١٩٨٦، ص ١٠.
(٤) جلال الدين السيوطي: المزهر في علوم اللغة، المكتبة العصرية، صيدا، ١٩٨٧.

<<  <   >  >>