الأسماء قد يخطئون، ورغم أنهم كانوا موفَّقين في المجال الكوزمولوجي إلى حدٍّ كبير، فقد أخطئوا في مجال الأخلاق أخطاءً فادحة، تلك هي الشوكة المقيمة في صلب المذهب الطبيعي، وفي صلب نظرية التوقيف: وجود الخطأ. كيف نفسر وجود الخطأ؟ إذا كانت هناك قوة إلهية هي التي تطلق الأسماء على الأشياء، فمن أين يأتي الخطأ؟! من هنا رأى أفلاطون أن الأسماء والألفاظ هي الجالبة للفساد ومنها ينشأ الضلال؛ (١) لذا وجب
(١) ما دامت الكلمات تحاكي طبيعة الأشياء فإن مطلِق الأسماء لا بد أن يكون لديه علم بالوجود وبحقيقة الموجودات، ولكن إذا كان علمه خاطئًا سنكون مخدوعين في اتباعه باستخدام الأسماء التي أطلقها؛ لأنها تشير إلى مفهوم خاطئ للوجود. وقد قدم أفلاطون أمثلة لألفاظ تفيد بأن كل شيء في حركة وتغير وصيرورة (على مذهب هيراقليطس)، ثم قدم أمثلة أخرى تفيد أن الأشياء في سكون وثبات (على مذهب بارمنيدس). والآن كيف تحسم المسألة؟ لا بد من برهان ودليل يقوم على صوابها، ولكن الدليل أو البرهان في حالة معرفة حقيقة الوجود هذه لا يأتي من دراسة الأسماء، التي هي في أحسن أحوالها محاكاة للأشياء، ولكن الأتم والأفضل أن نعرف حقيقة الأشياء والموجودات من دراستها هي نفسها، وهو أمر فوق فهم سقراط وكراتيلوس. هو أمر عسير ولكنه غير مستحيل، ويبدو أن أفلاطون يتصور أن اللغة قد وُضعت في أكمل حالاتها وفقًا لمبدأ المحاكاة الطبيعية، ولكنها لا تلبث أن تلحقها تغييرات وتعديلات مع مرور الزمن. (المرجع نفسه، ص ٦٠ - ٦١)