للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في علامة لغوية استتبت في مجتمعٍ لغويٍّ ما)، إنما أعني بالاعتباطية أن العلامة اللغوية ليس لها من سبب، أي أن العلاقة بين الدال والمدلول بها لا تقوم على أية رابطة طبيعية. (١)

والاستثناء الوحيد الممكن لهذه الطبيعة الاعتباطية للعلامة اللغوية هو ما عرف بالأونوماتوبيا Onomatopoeia أي التسمية بالمحاكاة الصوتية، حيث تقوم بعض الكلمات بمحاكاة الأصوات التي تسميها (مثل كلمة Boom بمعنى هدير أو أزيز، وكلمة Bow-wow بمعنى نباح). (٢)

غير أن دي سوسير سرعان ما يهون من شأن الأونوماتوبيا ويضعها في حجمها: «قد تتخذ الكلمات الأونوماتوبية كدليلٍ على أن اختيار الدال ليس اعتباطيًّا دائمًا، غير أن الكلمات الأونوماتوبية ليست عناصر حيوية (عضوية) في بناء النظام اللغوي، ثم إن عددها أقل بكثير مما يُعتقد … كما أن أونوماتوبيتها إنما جاءت نتيجةً تصادفية للتطور الصوتي فيها.

أما الكلمات التي هي أمثلة حقيقية للعلاقة بين الصوت والمعنى، مثل Tuik-Tick، Glug-Glug، فهي قليلة العدد، فضلًا عن أن اختيارها يكون عادةً بصورة اعتباطية؛ لأنها محاولات تقريبية تعتمد أيضًا على العُرف، في محاكاة بعض الأصوات (مثال ذلك Bow-Wow في الإنجليزية يقابله Ouaoua في الفرنسية (نباح الكلب))، ثم إن هذه الكلمات ما إن تدخل اللغة حتى تصبح إلى حدٍّ ما خاضعةً للتطور اللغوي - الصوتي والصرفي إلخ - الذي تخضع له الكلمات الأخرى (مثال ذلك كلمة Pigeon (حمام) مشتقة من اللاتينية العامية Pipio وهذه الكلمة بدورها مشتقة من الصوت الذي يوحي به صوت الطائر)، وهذا دليل واضح على أن هذه الكلمات تفقد شيئًا من صفتها الأولى لكي تكسب الصفة العامة للعلامة اللغوية وهي صفة الاعتباطية (انعدام الصلة الطبيعية).

وأما ألفاظ التعجب، وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالكلمات الأونوماتوبية (التي توحي أصواتها بمعانيها)، ويصح عليها أيضًا النقد السابق، فهي ليست دليلًا على بطلان حجة الاعتباطية في العلامة اللغوية. وقد ينظر المرء إلى ألفاظ التعجب على أنها تعابير تلقائية للحقيقة تمليها على المتكلم القوى اللغوية الطبيعية، ولكننا نستطيع أن نبين عدم وجود علاقة ثابتة بين المدلول والدال في معظم ألفاظ التعجب، فما علينا إلا أن نقارن بين هذه


(١) المرجع السابق، ص ٨٧ - ٨٨.
(٢) William James Earle: Philosophy of Language، p. ١٥٢.

<<  <   >  >>