للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الألفاظ في لغتين حتى نرى اختلافها من لغة إلى أخرى (فلفظة Aie! الفرنسية يقابلها Ouch! في الإنجليزية)، (١) ثم إننا نعلم أن كثيرًا من ألفاظ التعجب كانت في وقت ما كلمات لها معانٍ محددة، لاحظ: الكلمة الفرنسية Diable (اللعنة)، Mordieu (الله) من Mort Dicu (في الإنجليزية Zounds Goodness)، إذن فالألفاظ التي توحي بمعناها وألفاظ التعجب ذات أهمية ثانوية، وأصلها الرمزي موضع خلاف.» (٢)

وقع كثير من النحاة العرب في الغلو في خصائص اللغة، وذهب بهم إعجابهم باللغة العربية بعيدًا بحيث تصوروا فيها ما لا وجود له إلا في خيالهم، وأضفوا عليها من مظاهر السحر ما لا يصح في الأذهان ولا تتصف به لغة من لغات البشر، (٣) من ذلك أنهم كانوا يؤمنون إيمانًا قويًّا بوجود «مناسبة» بين اللفظ والمعنى، أو رابطة عقلية منطقية بين الأصوات ومدلولاتها، ولا يتصورون أن الأمر يمكن أن يكون اعتباطيًّا مرده إلى التكرار والعادة، وأن يكون وهمًا ناتجًا عن التداعي وميل العقل إلى الربط والتعميم. يقول ابن جني في كتابه «التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد السكري»: «وقد ذهب بعضهم إلى أن العبارات كلها إنما أوقعت على حكاية الأصوات وقت وقوع الأفعال، ولا أبعد أن يكون الأمر كذلك، ثم إنها تداخلت وضورع ببعضها بعض، ألا ترى أن الخضم لكل رطب والقضم لكل يابس، وبين الرطب واليابس ما بين الخاء والقاف من الرخاوة والصلابة … وهذا باب إنما يصحب وينجذب لمتأمله إذا تفطن وتأتى له، ولاطفه ولم يجفُ عليه، ومنه قولهم: «بحثت» التراب ونحوه، وهو على ترتيب الأصوات الحادثة عنده، فالباء للخفقة بما يبحث به عن التراب، والحاء فيما بعد كصوت رسوب الحديدة ونحوها إذا ساخت في الأرض، والثاء لحكاية صوت ما ينبث من التراب فتأمله، فإن فيه غموضًا. فأما قولهم: بحثت عن حقيقة هذا الأمر، وبحثت عن حقيقة هذه المسألة فاستعارة للمبالغة في طلب ذلك المعنى، ولا تترك الحقيقة إلى المجاز إلا لضرب من المبالغة، ولولا ذلك لكانت الحقيقة أولى من المجاز.» (٤)


(١) يقابل ذلك في العربية آخ! (د. يوئيل يوسف)
(٢) دي سوسير: علم اللغة العام، ص ٨٨ - ٨٩.
(٣) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، ص ٥٦.
(٤) ابن جني: التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد السكري، تحقيق ناجي القيسي، بغداد، ١٩٦٢، ص ١٣٠ - ١٣١.

<<  <   >  >>