له الأمير: من أنت أيها الشاب الجالس على القبر؟ ومن لك فى هذا القبر؟
فقال: صاحب هذا القبر هو والدى. فقال له الأمير: متى مات والدك؟ فقال:
له سنين كثيرة. فقال: صدقت، فإنى أزور هذه الجبّانة مدة، فما رأيتك إلّا الساعة، فما الذي ذكّرك بزيارته؟ وما جاء بك إلّا أمر كبير! فقال:
يا سيدى، ترك والدى هذا مالا كثيرا فأتلفته وأنفقته، ولم يبق منه سوى جارية كانت عندى من أعزّ الناس، فاحتجت إلى بيعها، فبعتها إلى وكيل الأمير «١» .
فقال الأمير: لعلها فلانة. قال: نعم. وقد ذهل عقلى لفراقها. فبكى الأمير أبو الجيش و [قال]«٢» : الجارية فى دار عندى أفردتها لها، وقد وهبتك الدّار والجارية وما هو لها ابتغاء وجه الله تعالى، فإن أحببت أقم عندى، وإلّا ارتحل لموضعك بها، ولك ما يكفيك. ثم أمر الأمير وليّه بتسليم الدار والجارية وجميع ما فيها للشاب.
وذكر عنه أيضا أنه ركب يوما بعساكره وجنوده، فانفرد عنهم، فوجد رجلا شيخا على رأسه قفص من جريد قد لفّه بخرق «٣» ، فقال له: يا شيخ، ما فى هذا القفص الذي على رأسك؟ فقال: سنانير «٤» ! فتعجب أبو الجيش من ذلك وقال له: ما تصنع بها؟ قال: أبيعها فى بلاد الشام. فعزّ ذلك عليه وقال: يكون فى رعيتى من يحتاج إلى ذلك؟ ثم قال له: من أى البلاد [أنت]«٥» ؟ قال: من بلد كذا وكذا، فوقّع له بالبلد التى هو قاطن «٦» بها ملكا له وأولاده من بعده. وحكاياته فى ذلك كثيرة جدّا، والله أعلم.