للسلطان وتقبّل يده لا غير! فردّ عليه ابن عبد السلام: يا مسكين، ما أرضاه أن يقبّل يدى فضلا عن أن أقبّل يده، ياقوم، أنتم فى واد وأنا فى واد، والحمد لله الذي عافانا ممّا ابتلاكم.
[استقبال السلطان نجم الدين أيوب له، وتوليه قضاء مصر واصطدامه بأمرائها وحكامها:]
فلما وصل إلى مصر استقبله سلطانها الصالح نجم الدين أيوب (آخر سلاطين الدولة الأيوبية) وأكرم وفادته، وولّاه قضاء مصر.. إلّا أنه سرعان ما اصطدم فى مصر كذلك بأمرائها وحكّامها، ولكنه لم يلن، ولم يخش فى الحق لومة لائم، فقد حدث أن استادار (المشرف على شئون القصر) السلطان الصالح نجم الدين- ويدعى فخر الدين عثمان، وهو الذي كان إليه أمر المملكة- عمد إلى أحد مساجد القاهرة وعمل على ظهره «طبلخانة» ، وبقيت تضرب هناك، فاستاء أهل الحىّ من هذا الطبل، وخاصة أنه داخل بيت من بيوت الله، فلما ثبت هذا عند الشيخ عز الدين حكم بهدم بناء الطبلخانة، وأسقط فخر الدين، كما عزل نفسه من القضاء، ولكن منزلته لم تسقط عند السلطان «١» .
وكان للمواقف المشرفة التى وقفها الشيخ ابن عبد السلام ضد المنتهكين لحرمة الإسلام والمسلمين، غير عابىء بما يتعرض له من أذى أو اضطهاد- أثر كبير، ليس فى مصر فحسب، بل فى جميع أنحاء العالم الإسلامى. لقد ظن الاستادار فخر الدين وغيره أن حكم العز بن عبد السلام لا يتأثر به فى الخارج، فاتفق أن جهّز السلطان الصالح نجم الدين رسولا من عنده إلى الخليفة العباسى «المستعصم» ببغداد، فلما وصل الرسول إلى الديوان ووقف بين يدى الخليفة، وأدّى الرسالة له، سأله: هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال: