لقد تدرج الكمال- رحمه الله- فى درج الكمال إلى أن صار عالما مفننا، وعلّامة متقنا، درّس، وأفتى، وأفاد، وعكف الناس عليه، واشتهر أمره، وعظم ذكره، ولكنه عزل نفسه بعد أن خلع طيلسانه ورمى به قائلا: اشهدوا علىّ أننى عزلت نفسى من هذه المشيخة «الشيخونية» وخلعتها كما خلعت طيلسانى هذا. وتحوّل فى الحال لبيت فى باب القرافة، وبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه وراسله يستعطف خاطره مع أمير آخور جقمق- الذي صار سلطانا- وغيره من الأعيان، فلم يجب، وآثر العزلة وحب الانفراد- مع المداومة على الأمر بالمعروف، وإغاثة الملهوفين، والإغلاظ على الملوك فمن دونهم «١» .
وكان لابن الهمام نصيب وافر ممّا لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات- وكان تجرّد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق: ارجع، فإن للناس حاجة بعلمك- وكان يأتيه الوارد كما يأتى الصوفية، لكنه يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته بالناس، أخبر بعض الصوفية من أصحابه قال: إنه كان عنده فى بيته الذي بمصر، فأتاه الوارد، فقام مسرعا، قال الحاكى: وأخذ بيدى يجرنى وهو يعدو فى مشيه وأنا أجرى معه، إلى أن وقف على «المراكب» فقال:
مالكم واقفون هاهنا؟! فقالوا: أوقفنا الريح، وما هو باختيارنا. فقال: هو الذي يسيّركم، وهو الذي يوقفكم. قالوا: نعم. قال الحاكى: وأقلع عنه الوارد، فقال: لعلّى شققت عليك!! قال: فقلت: أى والله، وانقطع قلبى من الجرى. فقال: لا تأخذ علىّ فإنى لم أشعر بشىء مما فعلته «٢» .
ومما يعدّ من قبيل الكرامات أنه زار قبر أحمد بن عطاء الله السكندرى،