لا، ولكن حمّلنيها عن السلطان فخر الدين استاداره. فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه بن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته. فرجع الرسول إلى السلطان حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد وأدّاها.
[تمسكه بالحق ودقة أحكامه:]
ومن الأحكام القضائية التى قضى بها ابن عبد السلام، والتى سجّلها له التاريخ كرمز للعدل والدقة فى تطبيق أحكام الشريعة، حتى صار يضرب به المثل، ولقّب بحقّ:«سيد الرجال» بيعه لأمراء المماليك، إذ لم يثبت عنده أنهم أحرار، ووضع ثمنهم فى بيت مال المسلمين، وصمّم الشيخ على أنه لا يصح لأمراء المماليك بيع ولا شراء ولا نكاح، وتعطلت مصالحهم لذلك، واحتدم الأمر، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا إلى ابن عبد السلام، فقال: نعقد لكم مجلسا وننادى عليكم لبيت مال المسلمين. فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادى علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنّه بسيفى هذا.
فركب بنفسه فى جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول فى يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى، وشرح لأبيه الحال، فما اكترث لذلك وقال: يا ولدى، أبوك أقلّ من أن يقتل فى سبيل الله ... ثم خرج، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب وسقط السيف منه، وأرعدت مفاصله، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدى إيش نعمل؟ فقال: أنادى عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا؟ فقال:
فى مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتمّ له ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا، وغالى فى ثمنهم، فلم يبعهم إلّا بالثمن الوافى، وقبضه وصرفه فى وجوه الخير «١» .