ثلاثين سنة، وكان قوته وكسوته من خياطته، وكان يخيط قميصا فى جمعة بدرهم ودانقين، طعامه وشرابه وكسوته منها فى غلاء السعر ورخصه، ما طلب من أحد شربة ماء قطّ «١» ، وكان يرجع إلى أحوال حسنة من الزهد والتقشف، ولبس الخشن، وحفظ اللسان، ولم ينقل عنه أنه اغتاب أحدا قط، وكان سليم القلب، كثير الاجتهاد فى الطّاعة، مع ملازمة الصوم، وكان لا يفتر لسانه من تلاوة القرآن، وكان فقيها جيدا على مذهب الشافعى رضى الله عنه، وكان مكاشفا، وربّما أخبر بأشياء فتوجد كما قال. وكان صادقا مقبولا عند المخالف والمؤالف، يستسقى به الغيث، ويتبرّك بدعائه، قال خادمه: توليت خدمته فى مرضه، فقال لى: حضرت الملائكة عندى وقالوا لى: تموت ليلة الأحد، فكان كما قال، فلما كان ليلة الأحد قعدت عنده، وما كان يصلّى إلّا جماعة، فصليت به المغرب، فقال لى: تنحّ، فإنى أريد أن أجمع بين صلاتين، ما أدرى ما يكون منّى، فجمع بين صلاتين، وشفع وأوتر «٢» ، ثم أخذ فى السّياق وهو حاضر معنا إلى نصف الليل، فقمت فأرحت نفسى ساعة ثم جئت، فقال:
أىّ وقت هو؟ قلت: قريبا من الصّبح، فقال: حوّلونى «٣» إلى القبلة، فحوّلناه، فأخذ يقرأ مقدار خمسين آية، فخرجت نفسه ونحن ننظر إليه، وذلك فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وهو الصحيح. وكانت له جنازة «٤» عظيمة جدّا، مشهورة، لم يتأخر عن حضورها أحد من الناس.
وفى بحرى قبر الدّيبلىّ قبر الشيخ الإمام العالم فخر الدين المدرس بمدرسة