تلك الليلة فوجد لفراقها ألما عظيما، ولزم الوساد من ألم فراقها، فلما كان بعد أيام قلائل تفقده الإمام أشهب فى الحلقة فلم يجده، وكان الإمام محبّا له، فسأل عنه فقيل: هو مريض، فقام وجاء إلى منزله فطرق الباب، فلم يجبه أحد، فعالج الإمام الباب حتى فتحه، ثم دخل إليه فوجده قد أشرف على الموت، فسأله عن سبب مرضه، فلم يجبه بشىء، فلم يزل به حتى أخبره وقصّ عليه القصة. فقال له: ومن الذي شراها «١» ؟ فقال له. الأمير محمود بن سالم وهو صاحب الجامع «٢» الذي بسفح الجبل. فقام الإمام إلى الأمير «٣» محمود هو وجماعته من الطلبة فدخل عليه، وسلّم عليه وعظّمه، واستعرض حوائجه وسأله عن سبب حضوره عنده، فأخبره خبر الفقيه وما وجد من فراق الجارية، فقال له الأمير: إنّ جميع ما يراه الشيخ لها، وإنّ ولدى يدخل عليها فى هذه الليلة. فقام الشيخ وأراد الانصراف، وإذا بولد الأمير قد دخل، فلما رأى الشيخ أخبره أبوه خبر الجارية، وكان الولد من أهل الخير والصلاح، فقال الصّبّى للشيخ: إنّ الجارية وما جهّزت به، الجميع للفقيه كرامة لمجىء الشيخ. ثم حملت وما معها إلى بيت ذلك الفقيه، فأصبح كأنّما نشط من عقال.
قال الفقيه أبو بكر بن عربى المالكى: كان أشهب فصيحا، حافظا، ذكيّا، وكان إذا خطب يسمع لصوته دوىّ.
وذكره القاضى عياض فى طبقات الفقهاء وأثنى عليه. وكان أكثر الناس معرفة بأقوال مالك. وقال سليمان بن أبى طيبة: نهانا أشهب أن نتخطّى الكتب التى فيها حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال: إيّاكم وأصحاب البدع. قيل له:
وما أصحاب البدع؟ قال: الذين يتكلمون فى أسمائه وصفاته وقدرته وعلمه ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون.