ثمّ لمّا جنّ الليل قامت زوجته وتوضّأت وجعلت تصلى وتدعو وتسأل الله تعالى، فرأى «أشهب» رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فى المنام وهو يقول له: إنّ صاحبك ابن القاسم محتاج إلى مائتى دينار، فلا تصلى الصبح إلّا وهى عنده. فانتبه من منامه وقت الفجر، ثم أخذ مائتى دينار وأتى بها إلى دار ابن القاسم، وطرق عليه الباب، فخرج إليه ابن القاسم، فسلّم عليه «أشهب» وأعطاه الذهب «١» ، فبينما هو يحدّثه فى تلك القضية إذا بصاحب المال قد أقبل وقال له: يا سيدى لا تأخذ منه شيئا، فقد اشتريت بها البارحة قصرا من ربّى فى الجنّة. فردّ ابن القاسم المال إلى «أشهب» ، فقال: والله لا رجوع لى فيما خرجت عنه. وقال ابن القاسم: وأنا لا حاجة لى بها، فتصدّق بها أشهب وابن القاسم فى وقت واحد، رضى الله عنهم.
وحكى زيد بن أبى يزيد قال: سمعت أبى يقول: سمعت ابن القاسم يقول:
كنت بالإسكندرية فرأيت أنّى اصطدت طيرا بازيّا فقصصته، فإذا هو مملوء جوهرا، قال: فجئت إلى ابن أبى شعيب ففسرته عليه، فقال: لعلّك حدّثت نفسك بشىء من طلب العلم. قال: فقلت هو ذاك. قال: من ذا الذي ذكرت؟ فقلت: مالك «٢» . فقال: هو بازك صدته.
وقال ابن القاسم: رجلان أقتدى بهما فى دينى: سليمان فى الورع، ومالك بن أنس فى العلم.
وقال محمد بن يحيى: سمعت عبد الرّحمن بن القاسم رضى الله عنه يقول:
«ما أظن أحدا تعلّم من الناس كعلمى فأفلح، لقد كنت أحضر مجلس مالك وأسمع منه، فإذا لم يحضر أصحابى أخبرهم إذا سألونى عن جميع ما سمعت، وكنت إذا غبت وسألتهم لم يخبرونى ولم يلتفتوا إلىّ، فأفلحت وخابوا- أو علمت وجهلوا» .