وقال بعض العلماء: تفقّه سحنون على ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وانتهت إليه الرياسة فى العلم بالمغرب.
وكان يقول: قبّح الله الفقر، أدركنا مالكا، وقرأنا على ابن القاسم.
وولى القضاء بالقيروان وعوّل على قوله «١» بالمغرب، كما عوّل على قول ابن المواز بمصر. وحصل له من الأصحاب والتلامذة ما لم يحصل لأحد من أصحاب مالك. وكان فى طبقة يحيى بن بكير- رضى الله عنهم.
وقدم سحنون من بلاد المغرب للمدينة الشريفة يقصد القراءة على مالك، فوجده- لمّا قدم المدينة- توفى، فقيل: إنّ ابن القاسم فى مصر، وهو مالك الصغير، فجاء إلى مصر وطلب من ابن القاسم أن يقربه، فوجده قد تعبّد وترك الإقراء، فجاء سحنون يوم الجمعة إلى الجامع العمرى، وصبر إلى انقضاء الصلاة، وشكى حاله إلى الناس، فأشاروا عليه برجل بزّاز، وكان يقوم بمصالح ابن القاسم، وكان ابن القاسم يقرأ عليه القرآن، فجاء سحنون إلى البزاز وكلّمه، فكلّم البزّاز ابن القاسم فى إقراء سحنون، فأنعم له «٢» لأجل البزّاز. وكانت له وظيفة فى القراءة، فاختصرها لأجل إقراء سحنون، وكان مع سحنون- ممّا فضل من نفقته- ثلاثمائة دينار، فدفعها للبزّاز وقال له: اتّجر لى فيها بما يحصل لى منه القوت، فأخذها منه وجعل له أن يأخذ منه كلّ يوم ما يحتاج إليه فى مصالحه.
ومكث سحنون ثلاثة أعوام يقرأ على ابن القاسم حتى تعلّم ما علمه ابن القاسم من مالك، ثم عزم على السفر إلى بلاده، فطلب من البزّاز ماله، فحاسبه البزّاز على الرّبح المتحصل له، فإذا هو ثلاثمائة دينار، فدفع إليه ستّمائة دينار، فقال: ألم تكن تدفع لى فى كل يوم كذا وكذا من الدّراهم؟ فقال البزّاز: