للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم مقدارا يسيرا من الحديث حتى طالت المدّة، وخفّت النفقة، ودعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وغيره، إلى أن لم يبق معنا ما نتقوّت به يوما واحدا، فطوينا ثلاثة أيام جوعا بشرّ حال، ولم يبق مع أحدنا رمق، وأصبحنا اليوم الرابع بحيث لا قوّة لأحد منّا من الجهد والجوع، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه إلى السّؤال «١» ، فلم تسمح نفوسنا لذلك، ولم تطب قلوبنا به، وأنف كلّ منّا من ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال «٢» ، فوقع اختيارنا على كتب رقاع باسم كلّ واحد، فمن ارتفع اسمه منها كان هو القائم بالسّؤال، وتحصّل القوت له ولأصحابه، فارتفعت الرقعة التى باسمى، فتحيرت فى أمرى «٣» ، وعدلت إلى زاوية من المسجد فصليت ركعتين، وقويت الاعتقاد فيهما بالإخلاص، ودعوت الله تعالى بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضّرر وسياق الفرج، فلم أفرغ من صلاتى حتى دخل مسجدنا شابّ حسن الوجه، طيّب الرائحة، نظيف الثياب، يتبعه خادم، وفى يده منديل، فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسى من السّجدة وسلمت وقلت: ما تريد؟ وما حاجتك؟ فقال: إنّ الأمير أحمد بن طولون يقرئكم السّلام ويعتذر إليكم «٤» فى الغفلة عن تفقّد أحوالكم، والتقصير الواقع فى رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يغنى نفقة الوقت، وهو زائركم فى غد بنفسه، معتذر بلطفه، ثم وضع بين يدى كل واحد منّا صرّة فيها مائة دينار.

فعجبنا من ذلك وقلنا للشّابّ: ما القصّة؟ فقال: إنّى أحد خدّام أحمد ابن طولون الأمير- الذين هم «٥» الخاصّة- دخلت عليه فى يومى هذا مسلّما