للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونه، ثم نزل فغسل ما عليه واغتسل، وقبّل السلطان يده، فقال: تنتفع بهذا «١» .

وكان الشيخ تقي الدين- مع ما اتصف به من حزم وورع وتقوى وترفع فى معاملة السلاطين والأمراء- خفيف الروح، لطيفا، يميل إلى المرح فى حياته الخاصة، على نسك وورع، يقول الأدفوى: أخبرونى بقوص أنه لعب الشطرنج فى صباه مع زوج أخته، فلما حان وقت صلاة العشاء قاما فصليا، ثم قال الشيخ: نعود، فقال له صهره: إن عادت العقرب عدنا لها، فلم يعد يلعبها «٢» .

وكان رحمه الله لا يخشى فى الله لومة لائم، ومع ذلك كان عديم البطش، قليل المقابلة على الإساءة، وفى ذلك يقول الأدفوى: ومن مشهور حكاياته فى ذلك قضية قطب الدين بن الشامية، وأنه كلّمه بحضرة الناس كلاما تألم منه، وقام من المجلس، وظن الناس أنه سيقابل الإساءة بمثلها، فلم يفعل، وسألوه عن ذلك فقال: خشيت أن يغترّ بذلك. ويضيف الأدفوى فيقول: ومات الشيخ تقي الدين، وحصل لابن الشامية من الأمير ركن الدين بيبرس ظلم وجور، فكان كثير من الناس العارفين يقول: إن الله قد انتقم للشيخ منه.

ومما يروى فى هذا المقام ما حكاه الفقيه شرف الدين الأخميمى إذ قال: كنا بين يديه والموقعين وهو بمجلس الحكم بالكاملية، وإذا بشخص هجم وقصده، ومنعه الرسل منعا عنيفا، فرماهم بيده وقال بصوت قوىّ: من هذا حتى تمنعونى منه؟

أخليفة هو؟ فنظر الشيخ لحظة وعمل بيده، فأقبل يأتى، وفتح أصابعه.

وكان كريما، جوادا، سخيّا، كان يعطى فى كثير من الأحيان الذهب والفضة، وبرغم جوده وسخائه فإنه كان غالبا فى فاقة، فيحتاج إلى الاستدانة،