للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«إلهى، جلّت عظمتك أن يعصيك عاص، أو ينساك ناس، ولكن أوحيت روح أوامرك فى أسرار الكائنات، فذكرك النّاسى بنسيانه، وأطاعك العاصى بعصيانه، وإن من شيء إلّا يسبّح بحمدك، إن عصى داعى إيمانه فقد أطاع داعى سلطانك، ولكن قامت عليه حجّتك، ولله الحجّة البالغة لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ

«١» .

ومن كلامه- فى الكتاب نفسه- على حديث: «إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة ... » الحديث:

«فيه إشارة إلى أنّ خشية سوء الخاتمة مخصوص بأهل أعمال الجنّة، وأمّا أهل الإخلاص لأعمال التوحيد، فلا يخشى عليهم سوء الخاتمة، ولهذا قال:

«فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ... » فأفهم بذلك أنّ المتقرّب متقربان: متقرّب إلى الجنة بأعمالها، ومتقرب إلى الله بذكره، كما ثبت فى حديث: «أنا عند ظنّ عبدى بى، وأنا معه حين يذكرنى ... » إلى قوله:

«وإن تقرّب إلىّ ذراعا تقرّبت منه باعا» ، وذلك يفهمك أنّ المتقرب إلى الله تعالى لا يمكن أن يبقى بينه وبينه ذراع، لأن ذلك الذراع إن كان التقرب به مطلوبا من العبد لم يبق بعده مقدار يتقرّب الله تعالى به إليه، وحينئذ فيستلزم الخلف «٢» فى خبره، وهو محال، وإن كان موعودا به من الله لزم تنجّز وعده، وتحقّق القرب للعبد، فلا يبقى بعد ولا دخول إلى النار، فعلم أن ذلك الذراع مخصوص بأهل القرب إلى الجنة، التى لا يلزم ممّن يقرّب إليها، فافهمه، فإنه بديع «٣» .