مما لو شاء أن يبني عليه ما يكون شعرا فعل وليس بشعر ولا قائله شاعر وقد يحكى عن الفقيه من ليس بفقيه ولا يصير بذلك فقيها ولقد زعم الخليل وموضعه من العربية موضعه إن الأراجيز ليست بشعر فبان جهل المنكر الذي نفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منفيا عنه إذ ما تكلم به مما في الآثار كلها حكمة علق بلسانه من الشعر فنطق به ولم يكن به شاعرا.
قيل في قوله صلى الله عليه وسلم:"وهو يعلم إني لست بشاعر فأهجوه" إنه لو كان شاعر لهجا الهاجي وهذا لا يناسب خلقه العظيم فإنه صح أنه قال لأبي جرى الهجيمي: "يا أبا جرى لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تصب من دلوك في دلو المستقى وإن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة والله لا يحب الخيلاء" قال: يا رسول الله الرجل يسبني بما في أسبه بما فيه قال: "لا فإن أجر ذلك لك وإثمه ووباله عليه".
قلت: لا دليل فيه على ما توهمه لأن المقصود أعلام الناس بذلك لأنه ليس بشاعر مثله كقوله: فيهجوه إذا التهاجي إنما يكون من الأكفاء ولا كفء له من الناس وكانوا يرفعون أنفسهم عن أن يهاجوا من ليس لهم بكفء أو في ذلك يقول حسان بن ثابت مخاطبا لأبي سفيان بن حرب١:
هجوت محمدا أفأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخير كما الفداء
١ هذا سهو وإنما هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب- ح.