"أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن فيها شجرا فإن ترخص مترخص فقال: قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلها لي ساعة من نهار".
وروى عن أبي هريرة قال: لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقتلت هذيل رجلا من بني بكر بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أن الله حبس عن أهل مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وأنها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى شوكها ولا يلتقط لقطتها إلا منشد" ففي هذه الآثار إن الله حرم مكة وأنها لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الواجب على من انتهك حرمة صيدها الواجب على قاتل الصيد في الإحرام كما ذكر تعالى في كتابه بقوله: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية إلا ما إختلف أهل العلم فيه من الصوم في ذلك فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجزي في ذلك صوم وذهب غيرهم إلى أن الصوم يجزي في ذلك كما يجزي في القتل في الإحرام وهو القول عندنا وما أنبأنا الله به من قول إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} .
ليس من التحريم الذي كان من الله في شيء كما لم يكن الربا١ الذي حرمه الله في كتابه في شيء لأن الربا الذي في كتابه في النسية والذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاضل فالذي دعا به إبراهيم لأهل مكة هو الأمان دل عليه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وكان ذلك استجابة لدعوة إبراهيم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهم وأني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم" ففيه أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مثل الذي كان من إبراهيم في مكة في أمان