فألتزمته فقلت: لا أعطي أحدا اليوم من هذا شيئا فألتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم.
قد عارضه بعض بما روى عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ قال:"لله عز وجل سهم ولهؤلاء أربعة أسهم", قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال:"لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه" وهذا جهل من معارضه لأنه حديث لا يحتج بمثله لأن روايته تعود لى مجهول ولأن عبد الله بن مغفل إنما أخذ من طعام كان محتاجا إليه وقد كانت الصحابة في المغازي يصيبون العنب والعسل والطعام وتينا ولونه من غير أن يرفعوا منه شيئا فإذا كان واسعا لهم أخذ ما تقدمت غنيمة المسلمين إياه حتى يستأثرون به لحاجتهم دون من ليس له حاجة به إليه كان ما كان منابن مغفل مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذه بيده وقوله بلسانه أوسع بخلاف حديث البلقيني فإنه لا حاجة بالمرمى إليه حتى لو احتاج أن يرمى به من رماه أو سواه من عدوه يحبسه لذلك فبان أن لا تضاد بينهما.
ومنه ما روى عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاصي بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها رقة شديدة حتى دمعت عيناه وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" فقالوا: يا رسول الله بآبائنا أنت وأمهاتنا فأطلقوه وردوا عليها الذي لها.
لا يقال: كان المن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إليهم حتى قال في مطعم "لو كلمني فيهم لأطلقتهم له" فأي حاجة كانت في مشاورتهم لأن قوله في مطعم كان في الوقت الذي كان له قتلهم فكان إليه المن عليهم وقوله: في القلادة كان بعد ان حقنن فداؤهم دماءهم وعاد الفداء في حكم الغنيمة المشتركة فلم يصلح منها أن يطلق إلا ما طابت به أنفسهم.