بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع".
قوله ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع يدل على أن الخيار الذي للمتبايعين إنما هو قبل إنعقاد البيع في الحال الذي يكون لكل واحد منهما أن يأخذ ما رضي من البيع ويترك بعضه وذل قبل عقد البيع فيكون البيع ينعقد بينه وبين صاحبه فيما يرضاه منه لا فيما سواه إذ لا خلاف بين القائلين في هذا الباب بأن الافتراق المذكور في الحديث هو بعد البيع بالأبدان أنه ليس للمبتاع أن يأخذ ما رضي به وإنما له أن يأخذ كله أو يدعه وروي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من أعرابي قال: حسبت إن أبا الزبير قال: من عاصم بن صعصعة حمل قرظ أو حمل خبط فلما وجب له قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر" قال الأعرابي: إن رأيت مثل اليوم قط بيعا خير بائعه ممن أنت قال من قريش.
في قوله: "اختر" دليل على وجوب البيع قبل التخيير وقد يحتج به من قال بالخيار حتى يتفرقا بدنا وقد ذكرنا وجهه واستدللنا عليه بحديث الليث وإنما خير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي ليكون له ثواب من أقال نادما بيعته وروي أن ذلك كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقبل النبوة وروي عن ابن طاوس عن أبيه قال: ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة من أعرابي بعيرا أو غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد البيع "اختر" فنظر الأعرابي إليه فقال: لعمر الله ممن أنت فلما كان الإسلام جعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد البيع الخيار. وهذا على الاختيار لا على الوجوب والله أعلم.