التأويل بأن البصائر ربما أدركت بعضهم فيحتاج من أدركته منهم إلى الإنصراف من مقامه المذموم إلى المقام المحمود فإذا لم يجد طريقا يمر إليه ففي مكانه الأول وعساه يقتل فيه فأمروا بما في هذا الحديث لهذا المعنى وقيل الإنحجاز هو العفو عن الدم وفيه ما دل على جواز عفو النساء عن الدم العمد كما يجوز عفو الرجال عنه هذا من كلام أبي عبيد وهذا وهم منه وقيل يدخل في هذا المقتتلون من المسلمين مع أهل الحرب حيث يجوز لهم الإنصراف إلى فئة من المسلمين ليتقووا بها على عدوهم فيقاتلونهم معهم وليس هذا ببعيد وعن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في عنقه نسعة فقال: يا رسول الله إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى ثم قال: يا رسول الله وأعاد له الكلام فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالعفو ثم الثالثة فأعاد عليه قوله أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى قال: "اذهب به أن قتلته كنت مثله" فخرج به حتى جاوز فناديناه ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: يا رسول الله إن قتلته كنت مثله؟ قال:"نعم" فعفا عنه فخرج يجر نسعته حتى خفى عنا.
وعن أنس بن مالك قال: أتى رجل بقاتل وليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "اعف" فأبى قال: "خذ الأرش" فأبى قال: "أتقتله فإنك مثله" قال: فخلى سبيله فرئى يجر نسعته ذاهبا إلى أهله فيه أن القتل كان عمدا ولولا ثبت ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم لزجر خصمه عن النسعة التي أسره بها حتى جاءه به ولما قال له: "اعف عنه" ولما قال له: خذ أرشا حين أبي وفيه دليل على أن العفو من ولي المقتول لا يوجب على قاتله أرشا كما يقوله أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وزفر ومحمد خلافا للأوزاعي والشافعي وأما قوله: "إن قتلته كنت مثله" فيبين معناه ما روى عن أبي هريرة في الحديث من قول القاتل: لا والله يا رسول الله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم للولي: "أما أنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار