الليل فغالب الظن أن اليهود قتلته وكذلك القوم بينهم الحرب فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو يأتي ببينة من المشركين من نواح لم يجتمعوا فيها فيثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض وإن لم يكونوا ممن يعدل أو يشهد عدل أنه قتله لأن كل سبب من هؤلاء يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى الولي فللولي أن يقسم على الواحد أو الجماعة ممن أمكن أن يكون في جملتهم ولا تكون القسامة عنده ولا وجوب الدية إلا بما ذكرنا وممن كان يذهب إلى ذلك الشافعي ولما اختلفوا وجب الكشف عما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثله فوجدنا في ذلك ما روي عن الأنصار أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عيه في الجاهلية.
وروي عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود- بدأبهم "يحلف منكم خمسون" فأبوا فقال للأنصار: فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته على يهود لأنه وجد بين أظهرهم فوقفنا بذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية القتيل الموجود بين ظهراني يهود قبل أن يقسم أولياؤه على اليهود أنهم قتلوه وكذلك الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا ديات القتلى الموجودين بين قوم على القوم الذي وجد القتلى بين ظهراينهم وإن لم تكن في ذلك قسامة كما روي أن رجلا أصيب عند البيت فسأل عمر عليا فقال له: ده من بيت المال.
وهذا مما ليس فيه قسامة على عمر ولا رآها فيه عمر وكان ذلك بحضرة الصحابة من غير نكير ومثله ما روي أن شيخا زحم في المسجد على عهد علي بن أبي طالب فمات فرفع ذلك إليه فواده من بيت المال وكذا حكم عمر على أهل الذمة أن قتل رجل من المسلمين بأرضكم فعليكم الدية وقد كان وجد قتيل بين وداعة وحي آخر والقتيل إلى وداعة أقرب فقال عمر لوداعة: يحلف منكم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا نعلم قاتلا ثم تغرمون فقال له الحارث: