كلها معا لذكرها نسقا لأن حديث زيد أخبار عن سبب نزولها وحديث ابن عباس أخبار بتأويلها المستقر عليه أمرها وكان ذلك منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد الله بقوله أولا لا يستوي القاعدون الأصحاء وأولي الضرر جميعا لأن فيه تكليف ما ليس في الوسع وليس على أعمى حرج وإنما المراد بذلك الأصحاء لا غير وإنما ذهب عن ابن أم مكتوم ذلك وظن أنه مراد فكان منه هذا القول فأنزل الله:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بيانا لما أراد أولا وليس هذا ببعيد فإنه ذهب على كثير من الصحابة معنى قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} حتى كان منهم من ربط الخيط الأبيض والأسود في رجله ولا يزال يأكل حتى يتبين أحدهما من الآخر فبين الله تعالى ذلك بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} وبعضهم جعل تحت وسادته حتى قال صلى الله عليه وسلم: "أن وسادك لعريض إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل".
قال الطحاوي: قراءة غير بالرفع أصح لأن نزولها في وقت آخر بيانا لما كان أنزل قبل ذلك في تفضيل المجاهد على القاعد ولو كان النزول معا لجاز أن يكون منصوبا على الاستثناء كقراءة المدنيين فإنه روى من الصحابة غير واحد أن نزولها كان على الاستثناء ولكن لم يرو عن أحد منهم أنها نزلت استثناء.
لا يقال: أن ابن أم مكتوم يوم القادسية حمل الرأية للمسلمين وكان أعمى على حاله التي اعتذر بها فكيف لم يبذل ذلك من نفسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحتمل أنه ما كان يحسن ذلك القدر يوم الاعتذار ثم أحسنه بعد ذلك فتكلفة حسبة وعن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله فانزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الآية، وعنه كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفر لهم فنزلت.