لم تذنب قط فهي أولى من الزاكية التي أذنبت ثم غفر لها" لأن الغلام قتل صغيرا لم يبلغ الحنث وقيل: هما لغتان بمعنى واحد وهذا أصح لأنه قد يجوز أن يسمى غلاما وهو بالغ وقوله: لو أدرك أرهقهما طغيانا قد يراد بالإدراك الاحتلام أو يكون معرفته بالأشياء المذمومة وفي الآية ما دل على بلوغه وهو {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: أنها لم تقتل نفسا ولو قتلت لكانت مستحقة لقتلها بها وطهرت بهذا القتل والصبي عمده لا يوجب قودا فهو بالغ يؤيده قوله في قصة مريم: {لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} أي: طاهر أو صفة فإنه زكي بغير ذنب كان منه قبل ذلك فالحق إن لا فرق بين الزكية والزاكية وأنهما بمعنى واحد مثل القاصي والقصي واختلاف الآثار في زاكية وزكية ليس حكاية عن القرآن ولكنه حكاية من النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه العربي لقول موسى الذي قاله للخضر بلسانه المخالف للسانه والحكايات للأشياء بغير تلك الألسن قد تحكى بألفاظ مختلفة ومثله قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} وفي موضع {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} لأنه حكى بالعربي ما قيل لزكريا بلسانه مرة بالأيام التي تدخل فيها الليالي ومرة بالليالي التي تدخل فيها الأيام لما كان المعنى في ذلك سواء فكذلك وصف الغلام بما وصفه به بلسانه مرة بزكية ومرة بزاكية لما كانا سواء.
وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه فقال ذات يوم: "رحمة الله علينا وعلى آل موسى لو سكت مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} ".
ولم يختلف القراء في نون الجماعة في لدن أنها تقرأ مثقلة حيث وقع {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}{وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} وفي إجماعهم دليل على أن أولى القراءة وفي لدنى التثقيل.
عن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد فإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس