فلما غابت الشمس قال:"يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: "فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها ويوشك أن يقال لها: اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ذلك مستقر لها"، فيه أن الشمس تغرب في السماء وقد روي مرفوعا:"في عين حمئة من الحمأة" رواه ابن عباس وقال: اقرأني ذلك أبي كما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس كنت عند معاوية وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال معاوية لعبد الله: كيف تقرأ {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال: في عين حامية يريد حارة فقال ابن عباس: فقال معاوية كيف تقرأها يا ابن عباس؟ فقلت:{وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وأنشد تبع في ذي القرنين.
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب علم من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
فالخلب الطين والثأط الحمأة والحر مد الأسود.
قيل: حديث ابن عباس عن أبي يخالف حديث أبي ذر لأن في حديث أبي ذر غروبها في السماء وفي هذا غروبها في طينة سوداء والطين في الأرض لا في السماء وشعر تبع يدل على أنها في الأرض لا في السماء أيضا قلنا: قد يكون الطين في السماء يدل عليه قوله: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} وشعر تبع يحتمل أن تكون الرؤية رؤية يقين وعلم بالقلب لا رؤية عين مع أن الحجة في اللغة وغيره قول الرسول صلى الله عليه وسلم فحصل الالتئام بغير تضاد فيه ولا اختلاف ثم لا يعلم عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ابن عباس على حمئة والأكثر منهم على حامية وروي في العين التي تغرب فيها الشمس الحرارة والحمأة جميعا فكانا من صفاتها فمن قرأ حامية وصفها بإحدى صفاتها ومن قرأ حمئة وصفها بصفتها الأخرى وذلك واسع غير ضيق.