بالجُند يحاربونه فِي كلّ ناحية من الفُسطاط، فأَلَحوه فِي منزله لا يخرج منه وأحاطوا بِهِ، ثمَّ سار إِلَيْهِ هُبَيرة بْن هاشم بْن حُدَيج سلخ شعبان سنة مائتين، فتحاربوا بسُوق وَردان وفي أصحاب القَرَظ، وثارت غُبرة لا يرى منها أحد شيئًا، وتحيَّر بهيرة فَرَسه عند حيّز الإوَزّ، فسقط فِي حُفرة، فانكسرت رِجله، وأدركه جمع من أصحاب السَّريّ، فقتلوه وهم لا يعرِفونه واحتزّوا رأسه فأَتَوا رأسه، فأَتَوا بِهِ السَّري، فعظُم عَلَيْهِ مقتله وانصرفت الفِئَتان وقد أظهروا الجزَع والوجد بقتل هُبَيرة، وانكسر المصريّون لذلك وعلاهم السَّريّ، وأهل خُراسان.
قَالَ سَعِيد بْن عُفير:
لَعَمْري لَقَدْ لَاقى هُبَيْرَةُ حَتْفَهُ … بِأَفْضَلَ مَا تُلْقَى الحُتُوفُ السَّوَارِعُ
بِأَنْفٍ حَمِيٍّ لَمْ تُخَالِطْهُ ذِلَّةٌ … وَعِرْضٍ نَقيٍّ لَمْ تَشِنْهُ المَطَامِعُ
عَشيَّةَ يَسْتَكْفِيهِ مُطَّلِبُ الَّذي … بِهِ ضَاقَ ذَرْعًا والْمَنَايَا كَوَارِعُ
فَمَا انْفَكَّ يَحْمِيهِ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ … لَهُ جَنَّةً حَتَّى احْتَوَتْهُ المَصَارِعُ
فَلَاقَى الْمَنَايَا فَوْقَ أَجْرَدَ سَابحٍ … وَفِي الكَفِّ مَأْثُورٌ مِنَ الهِنْدِ قَاطِعُ
فَبَيْنَا يخُوضُ الهَوْلَ مِنْ غَمَرَاتِهِ … أَعْدَاؤُهُ مِنْ حَوْلِهِ قَدْ تَجاشعُوا
تَقَطَّرَ فِي أُهْوِيَّةٍ عَنْ جَوَادِهِ … فَصَادَفَهُ حَيْنٌ مِنَ المَوْتِ وَاقِعُ
فَلَمْ أَرَ مَقْتُولًا أَجَلَّ مُصَابُهُ … عَلَى مَنْ يُعَادِي وَالَّذِينَ يُجَامِعُ
مِنَ ابْنِ حُدَيْجٍ يَوْمَ أَعْلَنَ نَعْيَهُ … وَقَامَ بِهِ فِي النَّاسِ رَاءٍ وَسَامِعُ
كِلَا الْفيْلَقَيْنِ. . . . . . . . . … مَقَامًا عَلَى مَا كَانَ فِيِهِ يُمَاصِعُ
فَوَلَّوْا فُلُولًا قَدْ عَلَتْهُمْ كآبَةٌ … وَكلُّهُمُ بَادِي التَّلَهُّفِ جَازِعُ
وطلب المُطِّلِب الأَمان من السَّريّ عَلَى أن يسلِّم إِلَيْهِ الأمر ويخرج عَنْ مِصر، ففعل ذَلكَ السَّريّ وسلَّم إِلَيْهِ المُطَّلِب، وخرج المُطَّلِب فِي بحر القُلْزُم إلى مَكَّة.
قَالَ دِعْبِل للمُطَّلِب: