وبلغ ابن طُولُون، أنه سائر إِلَيْهِ، وأنه مُجدّ فِي محاربَته، فعمِل أحمد بْن طُولُون فِي الحَذَر منه، وابتدأ فِي بُنْيان حِصن الجزيرة الَّذِي بين الجِسرين، ورأَى أن يجعلها مَعقِلًا لماله وحَرَمه، وذلك فِي سنة ثلاث وستّين.
واجتهد أحمد بْن طُولُون فِي بُنْيان المراكب الحربيَّة وإِطافتها بالجزيرة، وأظهر الامتناع من مُوسى بْن بُغا بكلّ ما قدِر عَلَيْهِ.
وأقام مُوسَى بْن بُغا بالرَّقَّة عشرة أشهُر وأحمد فِي إِحكام أُمُوره، فاضطرب أصحاب مُوسى عَلَيْهِ، وضاق بهم منزِلهم، وطالبوا مُوسى بالمسير أو الرجوع إلى العِراق، فبينا هُوَ فِي ذَلكَ تُوفّي مُوسَى بْن بُغا فِي صفر سنة أربع وستين.
قَالَ محمد بْن داود لأحمد بْن طُولُون:
لَما ثَوَى ابْنُ بُغَا بِالرَّقَّتَيْنِ مَلَا … سَاقَيْهِ زَرْقًا إِلَى الكَعْبَيْنِ والعَقِبِ
بَنَى الجَزِيرَةَ حِصْنًا يَسْتَجِنُّ بِهِ … بِالعَسْفِ والضَّرْبِ والصُّنَّاعُ فِي تَعَبِ
لَهُ مَرَاكِبُ فَوْقَ النِّيلِ رَاكِدَةٌ … فَمَا سِوَى القَارِ لِلنُّظَّارِ والخَشَبِ
يُرَى عَلَيْهَا لِبَاسُ الذُّلّ مُذْ بُنِيَتْ … بِالشَّطِّ مَمْنُوعَةً مِنْ عِزَّةِ الطَّلَبِ
فَما بَنَاهَا لِغَزْوِ الرُّومِ مُحْتَسِبًا … لِكِنْ بَنَاهَا غَدَاةَ الرَّوْعِ لِلْهَرَبِ
ثمَّ تَوُفّي ماجُور بِدِمَشْق واستخلف ابنه عليّ، فحرَّك ذَلكَ أحمد بْن طُولُون عَلَى المسير، فكتب إلى عليّ يُخبِره بأنه سائر إِلَيْهِ، وأمره بإقامة الإنزال والمِيرة لعساكره، فردّ عَلَيْهِ عَلِيّ بْن ماجُور أحسن جواب.
ثمَّ صرف أحمد الْحَسَن بْن غالب الطَّرْسُوسيّ عَنْ شُرَطه يوم الأربعاء لثمان خلونَ من رجب سنة أربع وستّين، وجعل مكانه إبراهيم بْن بلبرد أخا طخشي.
وشكا أهل مِصر إلى أحمد ضِيق المسجِد الجامع يوم الجُمعة بجُنده وسُودانه، فأمر بابتناء المسجِد الجامع بجبَل يشكُر، ابتدأَ فِي بِنائه سنة أربع وقضى فِي ستّ وستّين ومائتين.