وخرج أحمد بْن طُولُون فِي جُيُوشه لثمان بقينَ من شعبان سنة أربع وستّين واستخلف ابنه العبَّاس عَلَى مِصر، وضمّ إِلَيْهِ أحمد بن محمد الواسطيّ مدبِّرًا ووزيرًا، فبلغ أحمد إلى الرَّمْلة، فتلقَّاه محمد بْن رافع خليفة ماجُور عليها، وأقام لَهُ الدعوة بها، فأقرَّهُ عليها، ومضى إلى دِمَشْق، فتلقَّاه عليّ بْن ماجُور وأقام لَهُ بها الدعوة فأقام أحمد بها حتى استوثق لَهُ أمرها ثمَّ استخلف عليها أحمد بْن دوغياش، ومضى إلى حِمْص، فلقِيَه عيسى الكَرْخيّ خليفة ماجُور، فسلَّمها إِلَيْهِ، ثمَّ بعث إلى سِيما الطويل وهو بأَنطاكِيَة يأمره بالدُّعاء لَهُ، فلم يُجبْه سِيما إلى ذَلكَ، فسار إِلَيْهِ أحمد بْن طُولُون فِي جيش عظيم، وبلغ ذَلكَ سِيما فتحصَّن بأَنطاكِيَة وامتنع، فحاصره أحمد ورمى حِصنها بالمَنْجَنِيق وطال حِصاره لها، فاشتدّ ذَلكَ عَلَى أهلها، فبعثوا إلى أحمد بْن طُولُون، فخبَّروه بالموضِع الَّذِي يمكنه أن يدخل إليها منه، فقصده وعاونه أهلها عَلَى سِيما، فدخلها أحمد فِي المحرَّم سنة خمس وستّين ومائتين، فقتل سِيما واستباح أمواله ورِجاله، وورد كتاب أحمد إلى الفُسطاط بفَتح أَنْطاكِيَة، وقتل سِيما أمواله ورِجاله، وورد كتاب أحمد إلى الفُسطاط بفَتح أَنْطاكِيَة، وقتل سِيما فِي صفر سنة خمس وستّين، ومضى أحمد بن طُولُون إلى طُرْسُوس بأصحابه، فغلا السِّعر بها واضطرب أهلها، ونابذوه، فقاتلهم، وتقدَّم أحمد إلى أصحابه، أن ينهزموا عَنْ أهل طُرْسُوس ليبلغ ذَلكَ طاغية ملِك الرُّوم، فيعلَم أن جيوش ابن طُولُون لم تَقُم لأهل طُرْسُوس، فانهزموا منهم، فخرج عَنْهُمْ وولَّى عليهم طخشي بْن بلبرد.
وقد كَانَ رأَي أحمد بْن طُولُون أن يُقيم بالثُّغور حتى أتاه الخَبر من مِصر، أن ابنه الْعَبَّاس قد خالف عَلَيْهِ، فأزعجه ذَلكَ، وكان السبب فِي مخالَفته لأَبيه، أَنَّهُ استخصّ قُوَّادًا من قُوَّاده كانوا عَلَى خوف شديد من أحمد بْن طُولُون، كَانَ منهم: عليّ بْن أَعْوَر، وعبد اللَّه بْن طغيا، وأحمد بْن صالح الرشيديّ، وأحمد بْن أسلم، فحسَّنوا للعَبَّاس التغلّب عَلَى مِصر، والقبض عَلَى أحمد بن محمد الواسطيّ، وبلغ الواسطّي ما عزموا عَلَيْهِ من ذكر، فكتب إلى أحمد بْن طُولُون يُخبره بذلك، وبلغ الْعَبَّاس ذَلكَ، فازداد وحشةً من أبيه لمَّا علِم أَنَّهُ اطَّلع عَلَى أمره، وكانت للعبَّاس أيضًا تُطيف بِهِ من أهل السعر، كانوا خاصَّته، منهم: جَعفر بْن جَدار، وأبو مَعشر أحمد بْن المؤَمَّل، ومحمد بْن سَهْل المنتوف، فشاورهم فيما عزم عَلَيْهِ، فأشاروا عَلَيْهِ أن يفعل، وخافوا من أحمد بْن طُولُون،