فأشاروا عَلَى العبَّاس أن يبعُد عَنْ أبيه ويخرج عَنْ مِصر، فعمد العبَّاس إلى أحمد بْن محمد الواسطيّ، فقيَّده، ثمَّ سار الْعَبَّاس فِي الطائفة التي معه، والواسطيّ معه كَانَ خروجه إلى الجيزة يوم الأحد لثمان خلونَ من شعبان سنة خمس وستّين ومائتين، فعسكر بها واستخلف أخاه رَبيعة بْن أحمد عَلَى الفُسطاط، وأظهر الْعَبَّاس أن سائر إلى إِسْكَنْدَريَّة لكتاب ورد عَلَيْهِ من أبيه يأمره بذلك، فتوجَّه إلى الإسكندريَّة، ثمَّ سار إلى بَرْقَة.
وقدِم أحمد بْن طُولُون من الشام إلى الفُسطاط يوم الخميس لأربع خلونَ من شهر رمضان سنة خمس وستّين، فأنفذ أَبَا بَكْرة بكَّار بْن قُتَيبة القاضي، ومَعْمَر بْن محمد الجَوهَريّ، والصابُونيّ القاضي، وزِياد المَعدَنيّ إلى الْعَبَّاس، فكتب معهم إِلَيْهِ كتاب أَلان فِيهِ جانبه، ووعده أن لا يسُوءه ولا يأخذه بقُبح عمَله، فصاروا إِلَيْهِ إلى بَرْقَة، فانقاد الْعَبَّاس إلى الرجوع وهمّ بالشخوص معهم إلى أبيه، ففزِعت الطائفة التي حسَّنت لَهُ الخروج من أبيه أحمد، وعلِموا أَنَّهُ مُوِقع بهم، فحرَّضوه عَلَى المُقام، فرجع إلى قولهم، وانصرف بكَّار بْن قُتَيبة، ومَعْمَر بْن محمد إلى أحمد بْن طُولُون، فدخلا الفُسطاط أوَّل ذي الحجَّة سنة خمس وستّين، وعزم الْعَبَّاس عَلَى المسير إلى إفريقيَّة، ورأَى أنها أمنع لَهُ بَرْقَة، فكتب إلى إبراهيم بْن أحمد بْن محمد بْن الأَغلب، أن كتاب المعتمد ورد عَلَيْهِ بتقليده إِفريقيَّة، ويأْمره بالدُّعاء لَهُ بها، ويُخبره أَنَّهُ سائر إِلَيْهِ، ثمَّ مضى الْعَبَّاس متوجِّهًا إلى إِفريقيَّة فِي جمادى الأُولى سنة ستّ وستّين، فنزل لِبْدة، فخرج إِلَيْهِ عاملها وأهلها، فتلقَّوه وأكرموه، فأمر العبَّاس بنهبها، فنُهبت وأهلها عَلَى غِرَّة، فقُتلت رِجالهم، وفُضحت نِساؤُهم، وبلغ الخبَر إِلياس بْن منصُور النَّفُوسيّ وهو يومئذٍ رأس الإِباضيَّة، وبعث إبراهيم بْن أحمد بْن الأَغلب بغُلام لَهُ، يُقال لَهُ: بلَاغ إلى محمد بْن قَرْهَب عامله عَلَى أَطْرابُلُس فِي جمع كثير من أهل إفريقيَّة، فأطبق الجيشان عَلَى العبَّاس، فباشر العبَّاس يومئذٍ الحرب بنفسه، وحسُن بَلاؤه فِيهِ.