طُولُون بجيوشه عليها فِي شِدَّة من البرد، وكَثة من الأمطار والثُّلُوج، فأرسل يازَمان الماء عَلَى عسكر أحمد بْن طُولُون من نهر البَرَدان، فغرَّق عسكره ولم يكن لابن طُولُون مُقام، فرحل عَنْهَا ليلًا، ورجع إلى أَذَنة، فأقام بها.
وقال محمد بْن داود لأحمد:
بَغَى عَلَى الثَّغْرِ وَأَزْرَى بِهِ … بَغْيَ أَبِيِّ القَصْدِ نَفَّاجِ
وَسَارَ كَيْ يَجْتَثَّ آثارَهُمْ … مِنْ سِفَلِ النَّاسِ بِأَفْوَاجِ
واسْتَنْصَرَ القَوْمُ عَلَى بَغْيِهِ … بِكُلِّ صَافِي القَلْبِ ضَجَّاجِ
وَكُلِّ مَاضِي الحَدِّ ذِي رَوْنَقٍ … وَمُحكَمَ التَّثْقِيفِ بعَّاجِ
فَاسْتَعْمَلَ المَلْعُونُ أَدْرَاجَهُ … مُنْهَزِمًا أَخْبَثَ إِدْرَاجِ
فَكَيْفَ قَاتَلْتَ أُسُودَ الشَّرَى … أُولِي الزَّمَاجِيرِ بِإِنْهَاجِ
تَلْقَى بَنِي الحَرْبِ لُيُوثَ الْوَغَى … وَكُلَّ دَخَّالٍ وَخَرَّاجِ
قوْمٌ إِذَا استَصرخَهُمْ صَارِخٌ … لَبَّوْا بِإِلْجَامٍ وَإِسْرَاجِ
تَلْقَاهُمُ لِلْخَيْرِ جَهْلًا بِهِمْ … بِكُلِّ طَبَّالٍ وَصَنَّاجِ
وَقَدْ أَتَى إِسْحَاقُ مِنْ هَاهُنَا … وَمِنْ هُنَاكَ ابْنُ أَبي السَّاجِ
فَثَمَّ تَعْدُو القَهْقَرَى نَاكِصا … وَتَمْحَقُ اللَّيْلَ بِإِدْلاجِ
وقال الوليد بْن عُبَيْد البُحْتُريّ:
وَعِنْدَ أَبِي العَبَّاسِ لَوْ كَانَ دَانِيًا … يُرَجَّى الفِتَاءُ الْسَهْلُ والكَنَفُ الرَّحْبُ
سُيُوفٌ لَهَا فِي كُلِّ دارٍ عِدًى رَدًى … وَخَيْلٌ لَهَا فِي كُلِّ دارِ عِدًى نَهْبُ
عَلَتْ فَوْقَ بَغْرَاسٍ فَضَاقَتْ بِمَا جَنَتْ … صُدُورُ رِجَالٍ حِينَ ضَاقَ بِهَا الدَّرْبُ
وَلَوْ حَضَرَتْهُ أُنْثَياهُ اسْتَقَلَّتَا … إِلَى كليتيه حِينَ أزْعَجَهُ الرُّعْبُ
وَمَا شَكَّ قَوْمٌ أَوْقَدُوا نَارَ فِتْنَةٍ … وَسَاءَتْ إِلَيْهِمْ أَنَّ نَارَهُمْ تَخْبُو
كَأَنْ لِمْ يَرَوْا سِيمَا الطَّوِيلَ وَجَمعَهُ … وَمَا فَعَلَتْ فِيهِ وَفِي جَمْعِهِ الحْربُ
وَلَوْ لَمْ يُحَاجَزْ لُؤْلُؤٌ بِفِرَارِهِ … لَكَانَ لِصَدْرِ الرُّمْحِ فِي لُؤْلُؤٍ ثَقْبُ
وارتحل أحمد بْن طُولُون من أَذَنة إلى المِصّيصة، فأقام بها أيَّامًا ورضت لَهُ عِلَّه التي