فأجابه أَبُو أحمد إلى ذَلكَ، وكتب لَهُ بذلك كتابًا، فقدِم بِهِ فائق الخادم إلى الفُسطاط فِي رجب سنة ثلاث وسبعين يذكر فِيهِ، أن المُعتمِد، وأبا أحمد، وأبا الْعَبَّاس كتبوه بأيديهم بِولاية خُمارَوَيه وولَده ثلاثين سنة عَلَى مِصر والشامات ثمَّ قدِم خُمارَوَيه إلى الفُسطاط سلخ رجب سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فأمر بالدُّعاء لأبي أحمد الموفَّق، وترك الدُّعاء عَلَيْهِ، وجعل خُمارَوَيه عَلَى المظالم بمصر محمد بْن عَبْدة بْن حرب فِي شعبان سنة ثلاث وسبعين، ثمَّ صرف مُوسَى بْن طونيق عَن الشُّرَط لمستهلّ المحرَّم سنة أربع وسبعين، وجعل مكانه أحمد بْن محمد بْن الحكَم العُجَيفيّ.
وبلغ خُمارَوَيه مسير محمد بْن ديوداد المعروف بابن أَبِي الساج، فخرج إِلَيْهِ خُمارَوَيه من مِصر فِي ذي القعدة سنة أربع وسبعين، فلقيّه بثَنيَّة العُقاب من أرض دِمَشق، فانهزم أصحاب خُمارَوَيه وثبت خُمارَوَيه، فحاربهم، فكشفهم، وانهزموا عَنْهُ أقبح هزيمة.
قَالَ القاسم بْن يحيى المرعي:
فُتُوحُ الأَمِيرِ نُجُومٌ تَلُوحُ … فَلَيْسَتْ تُقَاسُ إِلَيْهَا فُتُوحُ
تَسِيرُ لَهَا فِي جَمِيعِ البِلَادِ … رَكَائِبُ تَغْدُو بِهَا وتَرُوحُ
إِذَا حَادَ عَنْ أَمْرِهِ حائِدٌ … أَتَاحَ لَهُ الحَتْفَ مِنْهُ مُتيِحُ
نَصَحْنَا لِشَرّ بنِي دِيُودَادَ … بِتَحْذِيرهِ لَوْ أُطِيعَ النَّصِيحُ
وَلَمْ يَكُنِ الغَدْرُ مُسْتَقْبَحًا … وَفِي الغَدْرِ شَيْنٌ وَعَارٌ قَبِيحُ
تَعَاطَى نِطَاحَ كِبَاشَ الحُرُوبِ … فَغُودِرَ وَهْوَ صَرِيعٌ بَطِيحُ
لَئِنْ كَانَ وَلَّى سَليمًا صَحِيحًا … فَمَا القَلْبُ مِنْهُ سَلِيمٌ صَحيحُ
أَبَاحَ حِمَاهُ فَتًى لَمْ يَزَلْ … يَحُوطُ حِمًى وَحِمًى يَسْتَبِيحُ
إِذَا هُوَ لَمْ يَسْتَرِحْ مِنْ عَدُوٍّ … فَلَيْسَ إِلَى لَذَّةٍ يَسْتَرِيحُ
وَإِنْ هَمَّ بِالسَّيْرِ لَمْ يَثْنِهِ … سَنِيحٌ يَعُنُّ لَهُ أَوْ بَرِيحُ
وقال الوَليد بْن عُبيد البُحْتُريّ: