للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال سَعِيد القاصّ:

جَرَى دَمْعُهُ مَا بَيْنَ سَحْرٍ إِلَى نَحْرِ … وَلَمْ يَجْرِ حَتَّى أَسلَمَتْهُ يَدُ الصَّبْرِ

وَبَاتَ وَقِيدًا لِلَّذِي خَامَرَ الحَشَى … يئِنُّ كَمَا أَنَّ الأَسِيرُ مِنَ الأَسْرِ

وهَلْ يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ مَنْ كَانَ ذَا أَسًى … يَبِيتُ عَلَى جَمرٍ وَيُضْحِي عَلَى جَمْرٍ

تَتَابُعُ أَحْدَاثٍ تَحَيَّفْنَ صَبْرَهُ … وَغَدْرٌ مِنَ الأَيَّامِ وَالدَّهْرُ ذُو غَدْرِ

أَصَابَ عَلَى رَغْمِ الأُنُوفِ وَجَدْعَهَا … ذَوِي الدِّينِ والدُّنْيَا بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ

طَوَى زِينَةَ الدّنيَا وَمِصبَاحَ أَهْلِهَا … بِفَقْدِ بَنِي طُولُونَ والأَنجُمِ الزُّهْرِ

فَبَادُوْا وَأَضْحَوْا بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ … أَحَادِيثَ لَا تَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي حِجْرِ

وَكَانَ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ مَاجِدًا … جَمِيلَ المُحَيَّا لَا يَبِيتُ عَلَى وِتْرِ

كَأَنَّ لَيَالي الدَّهْرِ كَانَتْ لِحُسنِهَا … وَإِشْرَاقِهَا فِي عَصْرِهِ لَيْلَةَ البَدْرِ

يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ ابْنِ طُولُونَ هِمَّةٌ … مُحَلِّقَةٌ بَيْنَ السِّمَاكَيْنِ والْغَفْرِ

فَإِنْ كُنْتَ تَبْغِي شَاهِدًا ذَا عَدَالةٍ … يُخَبِّرُ عَنْهُ بِالحْلِيِّ مِنَ الأَمْرِ

فبِالجَبَلِ الغَرْبِيِّ خِطَّةِ يَشْكُر … لَهُ مَسْجِدٌ يُغْني عَنِ المَنْطِقِ الهَذْرِ

يَدُلُّ ذَوِي الأَلْبَابِ أَنَّ بِنَا … وَبَانِيَهُ لَا بِالضَّنِينِ وَلَا الْغَمْرِ

بَنَاهُ بِآجُرٍّ وَآسٍ وَعَرعَرٍ … وبِالمرْمَرِ المَسْنُونِ والجَصِّ وَالصَّخْرِ

بَعِيدُ مَدَى الأَقْطَارِ سَامٍ بِنَاؤُهُ … وَثِيقُ المبَانِي عُقُودٍ وَمِنْ جُدْرِ

فَسِيحُ الرِّحَابِ يُحْسَرُ الطَّرْفُ دُونَهُ … رَقِيقُ النَّسِيم طَيِّبُ الْعَرْفِ والنَّشْرِ

وَتَنُّورُ فِرْعَوْنَ الَّذِي فَوْقَ قُلَّةٍ … عَلَى شَاهِقٍ عَالٍ عَلَى جَبَلٍ وَعْرِ

بَنَى مَسْجِدًا فِيهِ يَفُوقُ بِنَاؤُهُ … وَيَهْدِي بِهِ فِي اللَّيْلِ إِنْ ضَلَّ مَنْ يَسْرِي

تخَالُ سَنَا قِنْدِيِلِهِ وَضِيَاءه … سُهَيْلًا إِذَا مَا لَاحَ فِي اللَّيْلِ لِلسَّفْرِ

وَعَيْنٌ مَعِينُ الِّرْبِ غَيْرُ رَكيةٍ … وَغَيْرُ أُجَاجٍ لِلرُّوَاةِ وَلِلطُّهْرِ

كَأَنَّ وُفُودَ النِّّيلِ فِي جَنَبَاتِهَا … تَرُوحُ وَتَغْدُو بَيْنَ مَدٍّ إِلَى جَزْرِ

فَأَرْفَأَهَا مَسْتَنْبِطًا لِمَغِيبِهَا … مِنَ الأَرْضِ مِنْ بَطْنٍ عَمِيقٍ إِلَى ظَهْرٍ

يَمُرُّ عَلَى أَرْضِ المعَافِرِ كُلِّهَا … وَشَعْبَانَ الأَحْمُور وَالحَيِّ مِنْ بِشْرِ

قَبَائِلُ لَا نَوْءُ السَّحَابِ يَمُدُّهَا … وَلَا النِّّيلُ يَرْوِيهَا وَلَا جَدْوَلٌ يَجْرِي

وَلَا تَنْسَ مَارِسْتَانَهُ وَاتِسَاعَهُ … وَتَوْسِعَةَ الأَرْزَاق لِلْحَوْلِ وَالشَّهْرِ

وَما فِيهِ مِنْ قُوَّامِهِ وَكُفَاتِهِ … وَرِفْقَهُمُ بِالمُعْتَفِينَ ذَوِي الفَقْرِ

فَلِلْمَيِّتِ المَقْبُورِ حُسْنُ جَهَازِهِ … وَللْحَيِّ رِفْقٌ فِي عِلَاجٍ وَفِي جَبْرِ

وَإِنْ جِئْتَ رَأْسَ الْجِسْرِ فَانْظُر تَأَمُّلًا … إِلَى الحِصْنِ أَوْ فَاعْبُرْ إِلَيْهِ عَنِ الْجِسْرِ

تَرَى أَثَرًا لَمْ يَبْقَ مَنْ يَسْتَطِيعُهُ … مِنَ النَّاسِ فِي بَدْوِ الْبِلَادِ وَلَا حَضْرِ

مَآثِرُ لَا تَبْلَى وإِنْ بَادَ رَبُّهَا … وَمَجْدٌ يُؤَدِّي وَارِثِيهِ إِلَى الْفَخْرِ

لَقَدْ ضُمِّنَ القَبْرُ المْقَدَّرُ ذَرْعُهُ … أَجَلَّ إِذَا مَا قِيسَ مِنْ قُبَّتَيْ حَجْرِ

وَقَامَ أَبُو الجَيْشِ ابْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ … كَمَا قَامَ لَيْثُ الْغَابِ فِي الأَسَلِ السُّمْرِ

كَذَاكَ اللَّيَالِي مَنْ أَعَارَتْهُ بَهْجَةً … فَيَالَكَ مِنْ بَابٍ حَدِيدٍ وَمِنْ صُفْرِ

وَوَرَّثَ هارُونَ ابْنَهُ تَاجَ مَاجِدٍ … كَذَاكَ أَبُو الْأَشْبَالِ ذُو النَّابِ وَالْظُفْرِ

وَقَدْ كَانَ جَيْشٌ قَبْلَهُ فِي مَحَلِّهِ … وَلَكِنَ جَيْشًا كَانَ مُسْتَنْقِصَ الْعُمْرِ

<<  <   >  >>