غَضِبْتَ لِمِصْرَ وَمَا نَالَهَا … وَشَرَّدْتَ بِالحَوْفِ مَنْ غَالَهَا
تَلَافَيْتَهَا بَعْدَ إِدْبَارِهَا … وَأَقْبَلْتَ تَطْلُبُ إِقْبَالَهَا
وَكَادَتْ تُؤَوِّهُ شَوْقًا إِلَيْكَ … وَتُظْهِرُ بِالشَّوْقِ بِلْبَالَهَا
وَمَا شَوْقُهَا كَانَ مِنْ طَبْعِهَا … وَلكِنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا
لَقَدْ فَرَّجَ اللهُ كَرْبَ النُّفُوسِ … وَبَلَّغَهَا فِيكَ آمَالَهَا
وَلَمَّا رَأَيْنَاكَ فِي مِصْرنَا … مَنَحْنَا الْإِمَارَة إِجْلَالَهَا
وَمَا زلْتَ تَطْلُبُهَا هِمَّةً … وَتَرْكَبُ بِالسَّيْفِ أَهْوَالَهَا
وَتُعْلِمُ نَفْسَكَ أَنَّ الأُمورَ … إِمَّا عَلَيْهَا وَإِمَّا لَهَا
تَمَنَّوْا لِقَاكَ فَلَمَّا رَأَوْكَ … رَأَوْا لِلْمَنِيَّةِ إِظْلَالَهَا
وَمَرُّوا يُطِيعُونَ فِي كُلِّ شَيءٍ … رَأَوْهُ الْمَنَايَا وإِنْزَالَهَا
وَكَانَ أَبركَ خَلِيجَ العُفَاةِ … وَبَحْرَ الثُّغُورِ الَّتِي عَالَهَا
بِهِ كَانَتِ الرُّومُ فِي أَمْنِهَا … تُفَزِّعُ لِلذَّنبِ أَطْفَالَهَا
وأقام ابن الخَليج بالفُسطاط صفر وربيعَيْن ثمَّ بلغه مسير أَبِي شُجاع فاتك المُعْتضديّ إِلَيْهِ، ومسير دَمْيَانة فِي المراكب، فنزل فاتِك بالنُّويرة، ومعه بدر الحَمَّاميّ، وعسكر بن الخَليج بباب المدينة، وتنخّل من أصحابه ثلاثة آلاف، أو أربعة آلاف فسار بهم ليلًا ليبيّت فاتكا، فضلّوا الطريق وتاهوا ليلتهم، واسفر ابن الخَلِيج قبل أن يبلغ النُّوَيرة، وساروا أصحاب فاتِك، فنهضوا واقتتلوا، فانهزم أصحاب ابن الخَلِيج، وثبت هُوَ يحميهم فِي جمع يسير، ثمَّ اتّبع أصحابه منهزمًا ولم يُتبع حتى دخل الفُسطاط، وكانت هذه الوقعة يوم الخميس لثلاث خلونَ من رجب سنة ثلاث وتسعين، واستتر ابن الخَليج فِي منزِل رجُل، يُقال لَهُ: تريك.
قَالَ سَعِيد القاصّ لبَدر الحَمَّاميّ: