هاربين، ورأَوا من اجتماع الناس ونصر اللَّه ما لم يُسمع بِمثله، ومضى جمع من الرعيَّة، فاتبعوهم وعبروا خلفهم خليج بُوهَه واختلط الظَّلام، فخرج عليهم كمين الحَباسة بعد المغرِب، فاقتطع طائفةً منهم، فقتل منهم يرحمهم اللَّه نحوًا من عشرة آلاف، وأصبح الجُند يوم الجمعة عَلَى مصافّهم بالجيزة، ثمَّ نُودِي بالنفير يوم الجمعة صلاة المغرِب، فاضطرب الناس لذلك اضطرابًا شديدًا، وخرج الرعيَّة إلى الجِيزة ليلتهم كلّها كخروجهم بالأَمس، ثمَّ عادوا إلى الفُسطاط فِي غداة يوم السبت ولم يكن لِقاء.
قَالَ نافع بْن محمد بْن عمرو:
أَلَا شُقَّ جَيْبَ الصَّبْرِ إِنْ كُنْتَ مُوجَعًا … وَلَا يُلْفِ لَاحٍ فيكَ لِلْعَذْلِ مَطْمَعَا
لِمَا دَهِمَ الإِسْلَامَ مِنْ فَجْعِ حَادِثٍ … تَهُمُّ لَهُ أَرْكَانُهُ أَنْ تَضَعْضَعَا
لِمَصْرَعِ إِخْوَانٍ عَلَى الدِّينِ صُرِّعُوا … لِنُصْرَةِ دِين اللهِ يَا لَكَ مَصْرَعَا
فَمَاتُوا كِرَامًا مَا اسْتُضِيمُوا أَعِزَّةً … يُلَاقُونَ فِي اللهِ الأَسِنَّةَ شُرَّعَا
أَلَمْ تَرَهُمْ يَوْمَ الخَمِيسِ وَقَدْ غَدَا … عَدُوُّهُمْ فِيمَنْ أَعَدَّ وَجَمَّعَا
وَقَدْ صَاحَ فِيهِمْ بِالنَّفِيرِ أَمِيرُهُمْ … فَجَاءُوا سِرَاعًا حَاسِرينَ وَدُرَّعَا
فَصَادَمَهُمْ فِي النَّاكِثِين فَأَبْدَءُوا … وَكَانَ حَمَاةُ الدِّينِ أَعْلَى وَأَمْنَعَا
فَوَلَّى بِخِزْيٍ طُوِّقَتْهُ كُتَامَةٍ … وقَدْ سُقِيَتْ كَأْسًا مِنَ المَوْتِ مُتْرَعَا
أُلُوفٌ أَبَادَ القَتْلُ جَمَّ عَدِيدِهِمْ … فَأَمْسَوْا طَعَامًا لِلْكِلَابِ وَمَرْتَعَا
تَرَى القَوْمَ صَرْعَى فِي الحُلافِي جَوَاثِمَا … كَأَعْجَازِ نَخْلٍ بِالْبَقِيعِ تَقَلَّعَا
وَطِيفَ بِهَامِ الفَاسقِينَ عَلَى الْقَنَا … وَبُضِّعَ مِنْ لَحْمَاتِهِمْ مَا تَبَضَّعَا
وَكَانَتْ لِحِزْبِ الْكُفْرِ إِذْ ذَاكَ عِطْفَةٌ … فَقُتِّلَ مِنْ أَشْيَاعِنَا مَنْ تَسَرَّعَا
فَصَلَّى عَلَى تلك النُّفُوسِ مَلِيكُهَا … وَعَوَّضَهَا أَبْقَى ثَوَابٍ وَأَنْفَعَا
وقال ابن مِهْران:
وَأَيُّ وَقَائِعٍ كَانَتْ بِسَفْطِ … أَلَا بَلْ بَيْنَ مَشْتُولٍ وَسَفْطِ
وَقَدْ وَافى حَبَاسَةُ فِي كَتَامٍ … بَكُلِّ مُهَنَّدٍ وَبِكُلِّ خِطِّي
وَقَدْ حَشَدُوا لِمِصْرَ وَدُونَ مِصرِ … لَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ وَأَيَّ خَرْطِ
وَأَقْبَلَ جَاهِلًا حَتَّى تَخَطَّى … وَجَازَ بِجَهْلِهِ حَدَّ التَّخَطِّي