للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يأمرون بالمعروف وينهَون عَن المُنكَر، فلمَّا ولِيَ القضاء، كَانَ تأتيه وهو فِي مجلس حُكمه، فتقول: أيها القاضي، ذهب الْإِسْلَام فُعل كيت وكيت.

فيترك مجلِس الحُكم ويمضي معهم، فكلَّمه إخوانه مِثل ابن عبد الله الحكَم، وغيره، فقال: «لا بُدّ من القيام لله عزّ وجلّ بحقوقه».

ثمَّ أَتَتْ تِلْكَ الطائفة، فقالوا: إنّ أمير المؤمنين المأمون قد ولَّى أَبَا إِسْحَاق بْن الرشيد مِصر، وإنا نخافه، ونخشى أن يشدّ عَلَى يد أهل العُدوان، فاكتبْ لنا كتابًا إلى المأمون بأنك لا ترضى بوِلايته.

ففعل ذَلكَ ابن المُنْكَدِر، وبلغ الكتاب المأمون، فأحضر أَبَا إِسْحَاق، فقال: ما الَّذِي فعلت فِي أهل مِصر؟ فقال: ما فعلت فيهم شيئًا.

فقال: هذا كتاب قاضيهم يزعم أَنَّهُ لا يرضى بوِلايتك عليهم.

فقال: ما أسأْت إلى واحد منهم ولَأَفعلنَّ بابن المُنْكَدِر وأفعلنَّ، فعزله أَبُو إِسْحَاق "

حَدَّثَنَا محمد بْن يوسف، قَالَ: أخبرني ابن قُدَيد، عَنْ أَبِي الرَّقْراق، قَالَ: " كَانَ سبب موجِدة المُعتصِم عَلَى ابن المُنْكَدِر، أن أصحابه الصُّوفيَّة كلَّموه لمَّ علِموا أن ابن طاهر قد صُرف عَنْ مِصر، وصار الأمر إلى أبي إسحاق، قَالُوا: ماذا نلقى من الفضل بْن مسروق وشِدَّته.

فسأَلوه الكتاب إلى المأْمون بكَراهية ولاية أَبِي إِسْحَاق، فقال لَهُ ابن عَبْد الحكم لا تفعل.

فأَبى، وكتب إلى المأمون، فدفع المأمون كتابه إلى أَبِي إِسْحَاق، فقال: والله ما سرت فيهم بسيرة أنكروها.

فلمَّا قدِم أَبُو إِسْحَاق مِصر، عزله وحبسه، وحبس عبد الله بْن عَبْد الحكَم تُهمةً لَهُ، فأقام أيَّامًا ثمَّ مِرض، فمات، وأمر بابن المُنْكَدِر، فأقامه للناس، فخاصموه وادّعوا عَلَيْهِ دعاوي، فأمر بحبسه، فلم يزل محبوسًا حتى خرج أَبُو إِسْحَاق، فولِيَها عيسى بْن المُنْكَدِر إلى أن صرفه أَبُو إِسْحَاق عَنْهَا فِي شهر رمضان سنة أربع عشرة ومائتين، ولِيَها سنتين وشهرًا، وورد الكتاب من قِبَل أَبِي إِسْحَاق بإِخراجه إلى العِراق لعشر خلونَ من ذي القعدة سنة خمس عشرة ومائتين، فسجنه هنالك، وتوُفّي هُناك، وبقِيَت مِصر بلا قاضٍ "

<<  <   >  >>