أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى:{وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه جمالها ومالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. قال عروة: قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله تعالى: {ويستفتونك في النساء} قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية آخرى: {وترغبون أن تنكحوهن} هي رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا أن يقسطوا من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلا المال والجمال.
قال القاضي محمد بن العربي رحمه الله:
فكان المقصود بهذه الآية في البيان حكمين: أحدهما أن ينكح الرجل اليتيمة من نفسه إذا أقسط فيه فإن لم يرد ذلك فله نكاح ما سواها من النساء من واحدة إلى أربع، وهو الحكم الثاني وهو ناسخ لما كانوا عليه في صدر الإسل من الاسترسال في نكاح النساء من غير حصر بعدد، لا لما كانوا عليه في الجاهلية فإن أحكام الجاهلية ليست بشرع حتى يأتي بعده ما ينسخه. فأما الذي أقر عليه الشرع ولم يغيره ثم جاء بعده غيره فإنه ناسخ له، والأول منسوخ، لأن سكوت النبي عن الشيء والإقرار له بعد المبعث عد له في الجملة الشرع حتى يأتي عليه النكير وذلك فيما تتغير فيه الأحكام ويتقلب عليه الحلال والحرام بله الكفر. وعبادة الأصنام، فإنه لا يأتي شرع إلا بإنكارها ولا يصح في المعقول أن يأتي نبي بها، وهذا القدر هو الذي جهلته هذه الطائفة القاصرة فاسترسلت عليه في قولها وقالت بالتسوية بين ما يجوز أن يكون شرعا من قبيل الأحكام وبين ما لا يصح أن يكون شرعا من الكفر والباطل وهو جهل عظيم. وكذلك سوت بين ما كانت الجاهلية تفعله قبل المبعث وبين ما أقر