مزيد بيان: قال بعض من تعاطى هذا الفن: نزلت {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} في كعب بن عجرة الأنصاري. قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية فمر بي وأنا أطبخ قدرا لي والقمل تتهافت على وجهي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب بن عجرة أتؤذيك هوام رأسك؟ فقلت: نعم يا رسول الله فقال لي: ادع حلاقا يحلق رأسك، فنزلت {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية} التقدير فحلق ففدية.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: يريد أن هذا راجع لقوله تعالى: {ولا تلحقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله} فهذا حالق قبل أن يبلغ الهدى محله بأمر الشرع فيجب أن يكون نسخا لما تقدم، وهذا جهل إنما هو تخصيص لهذا العموم وبيان أن المراد به من كان صحيحا لم ينزل به مرض ولا أدركه أذى.
وأغفل البائس ما كان عليه أوكد من هذا، وذلك أن النبي عليه السلام سئل عمن حلق قبل أن يذبح فقال: ولا حرج، وهذا مخالف للآية لا يجتمع معها بحال فإنه تقديم المؤخر منها وتأخير المقدم، وهو خبر واحد جاء معارضا لنص القرآن ولم يعتده أحد من العلماء نسخا ولا كتبه في ديوانه، وإنما اختلفوا هل يلزم من فعل دم أم لا، في تفصيل طويل لبابه ان من فعل ذلك مخطئا أو جاهلا فقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وقال ابن الماجشون وأبو حنيفة: عليه الهدي، فإن فعله عمدا ففي رواية عنه أنه لا شيء عليه، وبه قال الشافعي جوز تقديم الحلق على النحر وهو الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قدم الحلق النحر: انحر ولا حرج، فرفع الحرج في موضع التعليم مطلقا من غير أن يفصل بين لزوم هدي أو سقوطه. فلا سؤال عن جهل وقع من الفاعل عن خطأ أو عمد، ولو كان الحكم يختلف لاستفحل حتى إنه ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا حرج في كل شيء سئل عنه في ذلك اليوم من التقديم والتأخير، يعني عما يختص بذلك اليوم من