تناف وإنما التنافي في اجتماع الذوات فأما المعاني تجتمع تحت الألفاظ فلا تضاد فيه. على أنه إذا نهي عن العقد فالوطء نهي عنه. وتحقيقه أن الخطاب بنفي النكاح إذا ورد على المنكوحة يتناول الوطء حقا، وإذا ورد على الأجنبية تناول العقد والوطء. فأما الوطء الصادر عن العقد فيتناول من طريق الأولى، وأما وطء لا يصدر عن العقد ويكون لسبب آخر فهذا موضع الكلام وهي آيتنا هذه فإن الله تعالى قال:{ولا تنكحوا المشركات} فتناول ذلك العقد قطعا. وقلنا نحن أنه يتناول الوطء أيضا، والمعنى لا تعقدوا عليهن نكاحا ولا تطؤوهن بسبب غير النكاح، وهو ملك اليمن أو يكون المعنى لا تطؤوهن بنكاح ولا بملك يمين ويجري العموم في ذلك مجراه لكن وقع التخصيص في ملك اليمين بالسنة الصحيحة وهي إباحة النبي صلى الله عليه وسلم الوطء في كل سبي حصل مع العرب وهم عبدة أوثان يشركون بالله ويدعون معه إلها غيره حسبما أخبر الله تعالى عنهم.
وأما قوله تعالى:{المشركات} فاليهود والنصارى مشركون بالله داخلون تحت لفظ الشرك إلا أن لهم اسما خاصا وهو أهل الكتاب، قال الله تعالى:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} وقال تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين} فغاير بينهم وخص كل واحد باسمه تنبيها على ذلك فيه فصار اطلاق لفظ المشركين على عبدة الأوثان عرفا فيجري اللفظ على عرف الشرع كما يجري على عرف اللغة، وهذه طريقة أخرى صحيحة في معنى الآية.
فعلى الطريقة الأولى يكون اللفظ عاما يتناول الجميع من أصناف الكفر وتخص جواز الوطء بملك اليمين السنة حسب ما أوضحناه.
وعلى القول الثاني تكون الآية محمولة على عرف الشرع وهم عبدة الأوثان، وقد أبان الله تفصيل ذلك في سورة المائدة، فقال تعالى:{والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فأباح نكاح الحرائر من