الشريعة وفهم مواردها. فإذا فهمتم هذا فاعلموا أن الله تعالى شرع النكاح حكمة وأذن في الطلاق فيه رحمة إذ الزوجان قد يتفقان ويلتئمان وقد يختلفان، فإن لم يكن فراق كان حسرة الأبد وذهاب الدين وفقد طيبة العيش. ولهذا ضلت الرهبانية في ابتداعها على دين عيسى أنه لا فرقة في النكاح إلا بالموت وإنما وضعوه حيلة ليفر الناس عنه فتكثر المعتزلة في الصوامع ويغلب بزعمهم الزهاد على الطامعين ففاتهم في هذا الموضع من الزوائد ما لم يتحصل لهم. ولم يخل قط شرع من الطلاق وقد ثبت في صحيح الحديث باتفاق من الأئمة أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه لما ورد ليطلع تركته بمكة شرفها الله قال: أين إسماعيل؟ قال له امرأته: ذهب يصيد، أو قالت: يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشتهم فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة، قال: فإذا جاء زوجك إقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه. ولما جاء إسماعيل عليه السلام كأنه آنس شيئا فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم شيخ كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشتنا. فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال هل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذلك أبي وقد أمرني أن أفارقك، إلحقي بأهلك: فطلقها وتزوج منهم امرأة أخرى، وذكر الحديث ولم يأت بعد ذلك شرع إلا جرى على هذه السنن وفتح هذا الباب وسلك هذا السبيل. فجاءت الشريعة في الطلاق على هذا المنحى فقال الله تعالى مبينا لحكم الشريعة في النكاح ما قال في كتابه وعلى لسان رسوله، وشرع أيضا في الطلاق ما شرع منها قوله تعالى:{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فجعله للرجال، مطقا وأذن فيه مفسرا قال:{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} فحرم أخذ ما أصدقه المرأة لأنه حق وجب لها من أشرف ما لها وقال تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين