للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما جمعت من معلومات أكثر من أي دراسة أخرى، وإن كنا نتحفظ، لأسباب ستشرح فيما بعد، تجاه بعض استنتاجاته.

ويقتضي الحال، عند دراسة موضوع علوم جابر، إبراز الحقائق التي تفيد أن المؤلف يبرز في كتبه على مستوى عال وأن اهتمامه شمل فروع العلوم الإنسانية في وقته جميعها تقريبا، وأنه يبدو وكأنه أحاط بها وألّم بتطور فروع العلوم وأنه حاول، انطلاقا من آخر مستوى بلغه التطور، أن يبين رأيه فيه انتقادا وتطويرا.

وبالنسبة للإجابة على السؤال المتعلق بأصل علوم جابر ومصادره الأدبية، ففي المجموع ذاته إمكانات عديدة: المصادر والمراجع والأساتذة والعلماء المعاصرون له، الذين لطالما ذكروا بجلاء يفوق ما في الكتب الأخرى من ذلك العصر. إن أهمية المعلومات المتوافرة بالنسبة لمناقشة هذا الموضوع وبالنسبة لدراسته في إطار تاريخ العلوم الإسلامية، تتعلق بالطبع فيما إذا كان زمن التصنيف المذكور في الكتب ذاتها، إذا كان زمنا مسلما به. فلقد غدا هذا الزمن وبعد عام ١٩٣٠ م- وليس خلال الدراسات التي أجريت قبل ذلك- زمنا مشكوكا فيه، بل حدد زمن نشأة المجموع خلال حقبة زمنية تمتد من منتصف القرن الثالث/ التاسع إلى منتصف القرن الرابع/ العاشر، بدلا من القرن الثاني/ الثامن. فضلا عن ذلك، فقد عدّ تصنيف المجموع من عمل مدرسة نظامية لا من تصنيف مؤلف واحد هو جابر (انظر بعده ص ٢٥٠). وكما سيبين فيما بعد بالتفصيل، فإن هناك نوعين رئيسيين من الأسباب اضطرا كراوس، الذي يعد أكثر من اشتغل بدراسة أعمال جابر، اضطرّاه أن يحدد زمن التصنيف نحو مائة سنة بعد الزمن الذي تحدده الرواية. أولا: لقد اعتقد بوجود ما يشير في النصوص إلى مرحلة متأخرة من تاريخ علم وفكر الإسلام. ثانيا: لقد وجد نموذج عالم، هو جابر، «بأصالة واستقلالية عظيمتين» ووجد أن مجمل محتوى المجموع بخصوص المعضلة والمصطلح العلمي وبالنسبة لما عرف واستعمل من مصادر هو أمر مستحيل ولا يمكن تصوره في القرن الثاني/ الثامن (١). وسنرى فيما بعد أن كلا السببين يتوقفان في نهاية الأمر على


(١) كراوس في) drit terjahresbericht: التقرير السنوي الثالث)، المصدر المذكور له آنفا، ص ٢٧.