للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذهل هذا بقوله: «حتى ولو حذف الألف قبل الثلاثمائة في الموضعين ولو افترض أن هذا العدد يمثل مجموع رسائل، كما هو الغالب في الصنعة، ولا يمثل كتبا، حتى لو كان الأمر كذلك فإنه يبقى الكثير من الاعتراضات الموضوعية على هذا الفهرس، بحيث إن رفضه بل وصفه «بالتزييف الفاضح» كان يبدو أمرا محقّا حتى إلى ما قبل سنوات قليلة فقط. وكان لا بد أن يبرز الشك بشكل خاص في المؤلفات الرياضية والطبية التي زعم جابر أنه ألّفها، إذ كيف يتسنى لعربي أن يكون، نحو منتصف القرن الثامن، قادرا على إنجاز مثل هذه الأعمال، مع العلم بأن أقدم مؤلّف عربي نعرفه في الطب والعلم الطبيعي يرجع إلى عام ٨٥٠ م، وأنه لم يكن هناك وحتى مطلع القرن التاسع الميلادي أية ترجمة عربية لأقليدس أو بطليموس؟

لقد أبطلت اكتشافات السنوات الأخيرة، التي لم تكن في الحسبان، هذه التحفظات الناقدة، ولم تؤد إلى موقف جديد كليّا تجاه عمل جابر بمجموعه فحسب، وإنما أدت إلى انقلاب جذري في آرائنا حول مصادر العلم العربي (١).

[ثانيا: إنجازات جابر بن حيان]

نود، قبل الشروع في فصل ثالث نناقش فيه الشكوك المعلنة حول شخصية جابر التاريخية وحول صحة مجموعه، نود أن نكوّن بادئ ذي بدء فكرة حول عمل جابر على ضوء الكتب التي وصلت الينا، فلربما يكون في ذلك محاولة لمواصلة طريق الانقلاب الجذري الذي أشار إليه روسكا ثم ما لبث أن تخلى عنه هو نفسه، بعد أقل من سنة لصالح طريق آخر. أما الطريق الآخر فقد أدى بالنتيجة إلى التسليم بأن إنجازات مدرسة صنعوية، امتد نشاطها من منتصف القرن التاسع وحتى منتصف القرن العاشر الميلاديين، وجدت ملاذا لها في الكتب المنتشرة باسم جابر.

إن أول سؤال يطرح نفسه على الباحث لدى دراسة شخصية جابر التاريخية يتعلق بعدد مؤلفاته الذي يبدو كبيرا إلى حد لا يصدّق، بيد أن نتائج الدراسات


(١) المصدر السابق ص ٢٢ - ٢٣.